جلس جهاد نواجعة تحت شجرة تين، هرباً من الحر القائظ، يتطلع إلى الأرض الوحيدة التي عرفها في حياته على امتداد تلال الخليل القاحلة في جنوب الضفة الغربية، مترقباً خلال أيام هدم بيته وطرده هو وزوجته وأولادهما العشرة.
ممسكاً بثمرة تين من الشجرة المحملة بالثمار، يقول "يبدو أنها النهاية، سيأتون ويهدمون بيوتنا، ولن يكون لنا مكان نذهب إليه. في الأيام التالية سأشاهد تشريد 100 طفل".
أسرة نواجعة وعدد محدود من الأسر تعيش في خيام وهياكل من ألواح سابقة التجهيز في قرية سوسيا الفلسطينية، تمتد على جوانب تلال صخرية بين مستوطنة إسرائيلية إلى الجنوب، وموقع أثري يهودي إلى الشمال على أرض تحتلها إسرائيل منذ حرب 1967.
وترجع حكاية سوسيا إلى عشرات السنين، لكنها بلغت ذروتها في مايو/أيار الماضي، عندما رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية طلباً لوقف هدم القرية، ومع استنفاد سبل الطعن في القرار وانتهاء شهر رمضان، من المتوقع أن يبدأ الهدم في أي يوم.
وقد نشأت نزاعات عديدة مثل هذا النزاع عن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية على مدى 48 عاماً، حيث توسعت المستوطنات اليهودية بسرعة، وتعتبر أغلب دول العالم أن المستوطنات غير قانونية.
اقرأ أيضاً: سوسيا الفلسطينيّة تترقّب نكبتها الجديدة
غير أن سوسيا لها وضع فريد، بسبب مدى الظلم الواقع على أهلها؛ إذ يعتقد كثير من الإسرائيليين من مسؤولين سابقين في وزارة الدفاع إلى نشطاء المستوطنات وجماعة حاخامات من أجل حقوق الإنسان، أن الحكومة الإسرائيلية ترتكب خطأ، ويشيرون إلى وثائق توضح ملكية الفلسطينيين للأرض، وأنهم زرعوها وسكنوها منذ نحو عام 1830.
وفي الماضي كان الفلسطينيون يعيشون في كهوف، لكنهم طردوا من مساكنهم الأصلية عام 1986 بعد اكتشاف الموقع الأثري، وتم تدمير الكهوف في موقعها الحالي في التسعينيات وأوائل الألفية الثالثة، بعد سلسلة من المواجهات. ونتيجة لذلك، أصبحوا يعيشون في خيام ومبان سابقة التجهيز. غير أن إسرائيل لم تمنحهم أي تصاريح للبناء، لذلك فقد حكمت المحكمة العليا بأن من الممكن هدمها.
معارضة أميركية
في الأيام الأخيرة، زار دبلوماسيون أميركيون وأوروبيون سوسيا، لإبداء تضامنهم مع سكان القرية الذين يبلغ عددهم إجمالا نحو 350 فرداً يعيشون في حوالى 80 خيمة وهيكلا. ولم يكن هناك من يستخدم في حرّ النهار معدات لساحة لعب أطفال زاهية الألوان، تبرعت بها وكالات مساعدات إغاثة عالمية، لكن الإقبال عليها يشتد في المساء.
وقال جون كيربي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، يوم الخميس الماضي، في تصريح نادر عن هذه القضية "نحن نتابع التطورات عن كثب... ونحث السلطات الإسرائيلية بقوة على الامتناع عن تنفيذ أي من عمليات الهدم في القرية"، معتبراً أن "هدم هذه القرية الفلسطينية أو أجزاء منها وطرد الفلسطينيين من بيوتهم، سيكون أمراً ضاراً واستفزازياً".
وتطالب حركة المستوطنين التي لها نفوذ كبير في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية، بالمضي قدماً على الفور في عملية الهدم. وتقول إنه لا توجد عراقيل قانونية أخرى. ويشير يوشاي دامري، الزعيم المحلي للمستوطنين، إلى الموقع الأثري، وأدلة على وجود معبد قديم، للإصرار على أن اليهود كانوا موجودين في المنطقة أولاً.
وخوفاً من رد الفعل الدولي، قال المسؤول عن الهدم إنه يدرس "الحلول البديلة"، لكن سكان سوسيا يقولون إنهم لم يتسلموا أي شيء، ويخشون من أن يكون الأمر مسألة وقت.
اقرأ أيضاً: أهالي "سوسيا" الفلسطينية يفضلون الموت على الرحيل منها