منذ أربع سنوات، كانت الأيام الأكثر دموية وتأثيراً في مسار الثورة التونسية التي أطاحت بنظام المخلوع زين العابدين بن علي. شهدت أحياء محافظة القصرين (وسط غرب)، ومدينة تالة التابعة لها، احتجاجات غير مسبوقة، حيث خرج خلالها أهالي المدينة في مسيرات احتجاجية يومية استهدفت المقار الأمنية ومقر الحزب الحاكم المنحلّ.
هيمن على الأجواء صوت الرصاص الحيّ في مواجهة مباشرة مع شباب أعزل يهتف بشعارات الحرية والكرامة والانتصار لقيم المواطنة. سقط نظام بن علي بعد أيام من الاحتجاجات، ولكن تالة كانت قد خسرت مجموعة من خيرة شبابها.
محمد العمري، أحمد بولعابي، ياسين الرطيبي، مروان الجملي، غسان الشنيتي ووجدي السايحي، كانوا من بين أبطال تلك "المعركة"، كما يصفها أبناء المدينة اليوم. قتلوا برصاص قوات الأمن بين 8 و12 يناير/ كانون الثاني 2011، وقد لا يذكر أسماءهم اليوم سوى أفراد عائلاتهم التي ما زالت تكتوي بنار الفراق وبعض رفاقهم في تالة.
وشهدت مدينة تالة، التي بدأت فيها الاحتجاجات ضد نظام بن علي يوم 3 يناير/كانون الثاني 2011، حصاراً أمنياً ومواجهات عنيفة مع قوات الأمن التي استخدمت "كل قوتها"، كما أثبتت بعد ذلك تقارير أمنية مسرّبة وتقارير حقوقية.
مروان الجملي، هو أول شهداء المدينة. لم يتجاوز عامه التاسع عشر آنذاك، وكان يتتلمذ في حقل الشحن والترصيف. سقط يوم 8 يناير سنة 2011، بعد إصابته برصاصة مباشرة في القلب إثر الاحتجاجات التي واجهها أكثر من ألف عنصر أمن قاموا بقمع المسيرات السلمية باستخدام الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع، حسب شهود عيان.
وفي اليوم نفسه، فقدت تالة الشاب ياسين الرطيبي. لم تشفع الإعاقة العضوية لياسين الذي كان يستعد للزواج بعد أشهر قليلة، وعرف مصير غسان الشنيتي ومحمد العمري. كان الاختلاف فقط في موضع مستقر الرصاص في أجسادهم.
تواصلت الاحتجاجات في تالة حتى الساعات الأخيرة لنظام بن علي. كان وجدي السايحي، من مواليد 1982، آخر ضحايا الرصاصات الطائشة إثر مشاركته في تحرك احتجاجي يوم 12 يناير.
يقول بعض مَن شاركوا في الحراك الثوري في محافظة القصرين آنذاك إن المدينة قادت الثورة إلى جانب جارتها سيدي بوزيد، ولعبت دور "المحرك الأساسيّ" لزلزلة صورة النظام البائد. كان الثمن باهظاً، فقدت المحافظة 20 شاباً وجرح المئات. تقول العائلات اليوم إن القضاء لم ينصف أبناءها، ولا يتوقعون ذلك.