أبراكادبرا.. السر في التعويذة أم في الساحر ميسي!؟

02 مارس 2016
(العبقري الماشي تعبير يصف ميسي بدقة / غيتي/العربي الجديد)
+ الخط -

"ربما أقول بها “أبراكادبرا” كي يخرجوا كل ما يملكون من قوة"، قالها لويس إنريكي عندما تم سؤاله عن أسرار تألق ميسي، نيمار، وسواريز مع برشلونة، وذلك خلال المؤتمر الصحافي الخاص بمباراة آرسنال في دوري الأبطال، ليؤكد المدير الفني أن السحر فقط هو السر وراء طفرة البلاوغرانا، حيث إن أبراكادبرا هي التعويذة السحرية التي يستخدمها الكتلان في إسبانيا وأوروبا.

ربما أراد لوتشو السخرية من بعض وسائل الإعلام التي هاجمته كثيرا، ومن الممكن أنه يريد رفع الضغوطات على لاعبيه، وبكل تأكيد لا يرغب في جعل المنافسين يعرفون أسرار فريقه، لكن في كل الأحوال، تحول مزاح المدرب إلى شيء ملموس، لأن ما يفعله ميسي يفوق كل خيال، ويمزج الحلم بالواقع بلا تعقيد.

الساحر رقم 10
يقول خوانما ليّو في حوار قديم: "إذا كنت لاعبا بارعا في المراوغة، لكنك لا تعرف متى تراوغ، فأنت في الحقيقة لست مراوغا عظيما. ينظر الناس إلى كرة القدم بطريقة منفصلة، يقسمونها إلى أجزاء، وهذا الأمر ليس صحيحا على طول الخط، لأن هذه اللعبة قابلة للفهم والمعرفة كسياق متكامل، قليلون من يجيدون هذه الصفة بكل تأكيد"، وميسي واحد من هؤلاء القلائل بكل تأكيد.

لعب ميسي كصانع لعب كلاسيكي في بداياته، ثم صعد إلى الفريق الأول كجناح مقلوب، ينطلق على اليمين بقدمه اليسرى، كذلك شارك مع الأرجنتين في الانطلاقة الأولى كجناح تقليدي على الخط، ثم انفجر كمهاجم وهمي مع غوارديولا، مع قيامه بدور أشمل في مرحلة فيلانوفا، وأخيرا كلاعب شامل على مستوى التسجيل والصناعة رفقة إنريكي.

يعتقد الكثيرون أن ليونيل تنازل بعض الشيء مع إنريكي، من خلال ابتعاده عن المرمى في سبيل الصناعة للثنائي سواريز ونيمار، لكن الأمر لم يكن أبدا بهذه البساطة، لأن ميسي لم ولن يتغير، كذلك ظلت قوانين اللعبة ثابتة وقوة المنافسين كما هي، لكن يكمن السر في ميسي وحده، في طريقة تناوله للكرة بشكل شمولي غير معهود، إنه الوحيد القادر على اتخاذ القرار وتخيله وتنفيذه قبل أن يفكر البقية في اللعبة من الأساس.

بعيداً عن الضغوط
تحرر ميسي بشكل كلي بعد كأس العالم، نتيجة النهائي سواء كانت لصالحه أو ضده لم تفرق كثيرا، لأن ليو عاد إلى المستديرة بذهن صاف، وأصبح يستمتع فقط بالمشاركة في المباريات، خصوصا بعد فوزه بكافة الجوائز الفردية على المستوى الشخصي، لذلك يواصل الأرجنتيني تألقه اللافت مؤخرا، سواء في الدوري أو الكأس أو عصبة الأبطال.

لا يراوغ ميسي أكثر من الآخرين، قام ميسي بعمل 82 مراوغة صحيحة في الليغا، يتفوق عليه مثلا رياض محرز الذي قام بعمل 83، كذلك نيمار الذي تخطى حاجز المائة مراوغة، لكن ليو يضرب الجميع في نجاعته، لأنه قام بهذا العدد الكبير من المراوغات الناجحة من أصل 126 فقط، أي بنسبة تصل إلى 65.08 %.

يتعامل الملك رقم 10 بنضج مضاعف، لا يفكر في الكم بقدر الكيف، لذلك هو أقل اللاعبين ركضا لكنه أكثر اللاعبين تأثيرا ولهذا وصفته صحيفة "ماركا" الإسبانية بالعبقري الماشي، لذلك أمام آرسنال في ليلة التشامبيونزليغ، سجل ميسي هدفين، صنع فرصتين، سدد 7 كرات، قام بعمل 5 مراوغات، استخلص 3 كرات، وصنع عرقلة مشروعة، مع 97 لمسة للكرة، وبالتالي كلما احتجت له وجدته، حتى وإن لم يكن في كامل قوته البدنية.

المرشد الكروي
يُقسم جورجي فالدانو المدربين إلى قسمين: قسم مثل مورينيو وبينيتيز، لم يكتشف الموهبة أثناء فترة اللعب، وبالتالي هذا الثنائي كمثال لا يؤمن كثيرا بموهبة وقدرات الأفراد داخل فرقهم، وبالتالي لا يضعون تركيزا مضاعفا على الفرديات واللمسات الساحرة، بينما القسم الآخر الذي تألق في الملاعب قبل دخول عالم التدريب، يضم مجموعة مدربين يؤمنون تماما بالموهبة، ويعرفون أن هناك أسماء قادرة على حسم كل شيء في جزء من الثانية، فقط أعطي لهم الحرية الكاملة داخل الملعب، حتى وإن تطلب الأمر عدم إعطائهم تعليمات خلال التسعين دقيقة!

مدربو الناس هم المدراء الذين يثقون كثيرا في نجومهم، يقول غوارديولا في حوار قديم عن ميسي، روبين، وأكثر من نجم كبير قام بتدريبه، "هناك لحظات أقف على الخط من أجل ملاحظة أو تدوينة، لكن هل تعتقد أنني سأطلب من ميسي كيف يراوغ وأين يسدد ومتى يمرر؟ ونفس الأمر لروبين مع بايرن ميونخ".

هذه هي القصة باختصار شديد، لاعب مثل ليونيل ميسي فوق أي منظور تكتيكي، لأنه قادر في لحظة على كسره والتمرد عليه، لأنه يلعب كرة القدم وفق رؤيته البحتة، لا تعقيدات أو إضافات، مع الحفاظ على الشعرة التي تربط بين الفردية والجماعية، لذلك لم يشتهر الأرجنتيني أبدا بالأنانية أو حب النفس، لأنه يدرك في النهاية أن الفوز للفريق ككل، وليس لفرد داخله، حتى ولو كان أفضل لاعب في العالم!

التمركز


هذه الصورة لطريقة تمرير وتمركز لاعبي برشلونة في حقبتي بيب غوارديولا ولويس إنريكي "لوتشو"..

يظهر فيها بكل وضوح تركيز الأول على فكرة التمركز بالمنتصف، من خلال رباعي صريح على شكل جوهرة، بوسكيتس في الخلف أمامه ميسي، وبينهما الثنائي تشافي وإنييستا. بينما في فريق إنريكي، يتحول ليو إلى أروقة أكثر، ويزيد التركيز على اللعب الطرفي، من خلال تمريرات ألفيش وليو، ألبا ونيمار، وبالطبع بوسكيتس مع الأظهرة وقلبي الدفاع.

مهما تغير شكل التكتيك، الفكر الاستراتيجي، وفلسفة كل مدرب، يبقى ليونيل ميسي حجر أساس في التشكيلتين، يقود المجموعة بنجاح، يسجل أهدافا غزيرة، ويمرر أيضا للبقية أمام المرمى، وهذه الشمولية هي ما تجعل مدربيه في حالة ثقة كاملة، لأنهم على علم بأن هناك محطة قوية داخل المستطيل في حالة الخطر.

بالطبع لا يوجد لاعب فوق الفريق، وفي كرة القدم المدرب الناجح هو من يستغل قدرات فريقه حتى النهاية، لذلك آمن الثنائي بعبقرية الأرجنتيني، ليعيش برشلونة أفضل فتراته التاريخية من 2009 وحتى اليوم.

المنقذ
لم يقدم التركي أردا توران مستواه المعهود حتى الآن، بكل تأكيد ابتعاده عن اللعب لفترة طويلة أثر على مفعوله، لكن أيضا لعبه في الوسط أمر ليس بالسهل أبدا، لذلك استمرت المشاكل في منطقة ارتكاز برشلونة، بسبب إرهاق إنييستا، وضعف راكيتيتش في المساحات الضيقة، مع الاعتماد الكبير على بوسكيتس في ضبط التحولات وخلق التوازن، وبالتالي انتقلت السيطرة في كامب نو من منطقة الوسط إلى الثلاثي الهجومي دون منافس.

يتفق لويس إنريكي مع غوارديولا في جوانب عديدة، كروية وغير كروية، لكنهما يختلفان بشكل كلي في تقدير كل منهما لاستراتيجية اللعب التمركزي بالمنتصف، فاللوتشو يضع كامل تركيزه على الـ MSN بينما بيب يعتني بالوسط أكثر من الجميع، وخلال المباريات المعقدة، يقوم ميسي بدور المنقذ، ليس فقط كضلع رئيسي في الهجوم، ولكن لكونه النجم الأول والأكثر تميزا لهذا الجيل دون منافس.

تأخر برشلونة في النتيجة خلال بعض المباريات هذا الموسم، وكلما تعقدت الأمور، بات الحل بين أقدام ليو، طور الأرجنتيني من قدراته كثيرا في الكرات الثابتة، لذلك سجل حتى الآن 6 ضربات غيرت من خريطة المنافسة سواء في الليغا أو مباريات أوروبا، وهنا يكمن اختلافه عن البقية، لأن هذه اللعبات لا تحتاج إلى مدرب أو قائد خارج الخط، بل إلى ساحر بتعويذة من كلمة واحدة، "أبراكادبرا، افعلها يا ليو"!

اقرأ أيضاً..
أردا توران آخر ضحايا لعنة "أتلتيكو سيميوني"

المساهمون