آمال شحادة.. أوّل امرأة غزيّة تعملُ في النجارة

16 مايو 2015
تطمح إلى تعليم الأشخاص المعوقين (محمد الحجار)
+ الخط -
ما إن تصيرَ الساعة الثامنة، حتى تستيقظ بسرعة لتفقّد الكهرباء إن كانت مقطوعة أم لا. إذا لم تكن كذلك، تهرع إلى محلّها وتبدأ بقطع الأخشاب مستعينة بالمكنات. وإن كانت مقطوعة، ترتب منزلها وأغراضها، بانتظار عودة التيار مجدداً. إنها آمال شحادة، أول عاملة غزّية في مجال النجارة.

تقطنُ في المخيّم الجديد في منطقة النصيرات، وسط قطاع غزة، تبلغ من العمر 42 عاماً. درست تخصصات عدة في الجامعة، كالتمريض والصيدلة والبيئة، من دون أن تتمكّن من إكمال أي منها بسبب ظروف عائلتها المادية الصعبة. لكنها اختارت عملاً شاقاً. بالنسبة إليها، النجارة أفضل من الجلوس في المنزل.

عام 2003، تدربت شحادة على قطع الأخشاب مع مركز تمكين المرأة في غزة لمدة ثلاثة أشهر، لتبدأ مشوارها في النجارة. بداية، عملت كمتطوعة في المركز، وكانت تشارك في نشاطاته وفعالياته ومعارضه الحرفية المختلفة. تقول، لـ"العربي الجديد": "خلال الدورة، تعلّمتُ الصناعات الخشبية. في بادئ الأمر، كنت أصنع قطعاً صغيرة من الخشب. ومع مرور الوقت، تمكنت من المهنة أكثر، وصرت قادرة على صناعة أدوات خشبية كبيرة".

كانت تصنعُ الحيوانات الخشبية والألعاب التعليمية بالتعاون مع نساء أخريات. تجدر الإشارة إلى أن مشاريع تمكين المرأة تهدف إلى تعزيز قدراتها واعتماد صناعاتها في مجالات التعليم. خلال عملها في المركز، كانت تسعى جاهدة إلى اكتساب الخبرات من طلاب الفنون الجميلة من جامعة الأقصى، الذين كانوا يتدربون في المركز أيضاً. تبدو سعيدة بتعلّمها بعض التقنيات التي تفيدها في عملها. من جهتها، علّمتهم تصميم الإطارات الخشبية وغيرها.

لم يكن هذا طموح شحادة. كان حلمها أكبر من ذلك بكثير، ورفضت الاكتفاء بالمشاركة في المعارض كمتطوعة. في ذلك الوقت، أرادت أن يكون لها عملها الخاص. صارت تبحثُ عن وسائل تمكّنها من ذلك. ولحسن حظها، نجحت في الحصول على تمويل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واستأجرت محلاً يقع على مقربة من منزلها وسط المخيم. توضح: "صرت أملك منجرتي في صيف عام 2010. فرحت بعملي، وكانت فرحتي أكبر حين تمكنتُ من شراء المحل". تضيف: "صرت أكثر إبداعاً في مجال عملي، علماً أن الأمر لم يكن سهلاً، وخصوصاً أنني كنت بحاجة إلى سيولة".

بعد افتتاح محلها، أطلقت عليه اسم "أصالة البيداء"، وصار عليها إيجاد المواد التي غالباً ما لا تكون متوفرة بسبب إغلاق المعابر. مع الوقت، تمكنت من الحصول عليها من مصادر أخرى.
بعدما تُنهي عملها في الصباح، تبدأ بتدوين احتياجاتها على ورقة، وتغلقُ محلّها مؤقتاً لتتنقل بين بائعي الخشب والأقمشة والزجاج. لا تجد حرجاً في العمل مع الرجال. أما سكان المخيم، فقد اعتادوا على عملها في هذا المجال، حتى أنهم يثقون بها. وقد اشتهرت من خلال معارضها، وباتوا يشترون منها ما يحتاجونه، على غرار إطارات الصور والصواني والأطباق وغيرها من أدوات الزينة.

باتت شحادة قادرة على صنع أشياء كثيرة. تقول إنها تعلّمت تصميم أسِرّة النوم. لكن العراقيل موجودة دائماً، ولم تجد الإمكانيات اللازمة للعمل. تضيف: "بالنسبة لي، ليس صعباً أن أتعلّم صناعة أشياء جديدة، لكن المجتمع في غزة ما زال محافظاً، ولا يتقبّل البعض أن أتعلم صناعات جديدة تحتاج لكثير من العمل والجهد". تضيف أنها التحقت بدورات عدة، وتعلمت فن الألوان، واستخدام المكنات الخاصة بالأخشاب، وصناعة العطور والصابون. أيضاً، شاركت في معرض الثامن من مارس/ آذار السنوي الخاص بصناعات المرأة، بالإضافة إلى عدد من معارض الجامعة الإسلامية بالتعاون مع مركز إيوان، وجمعية الثقافة والفكر الحر للصناعات الفلاحية والبدوية والتراثية.

عراقيلٌ كثيرة تواجه شحادة في يومياتها، منها ارتفاع أسعار المواد الخام واحتكار التجار بعض الصناعات والأدوات في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها القطاع، بالإضافة إلى قلة جودة الأخشاب، والانقطاع المتكرر للكهرباء. جميع هذه العوامل تؤثر على عملها، وقد تضطر أحياناً إلى تأخير تسليم البضاعة لزبائنها. وتلفت إلى مشكلة أخرى، تتمثل في عدم قدرة كثير من الغزاويين على دفع المال في مقابل السلع التي يشترونها، فيلجأون إلى الدفع بالتقسيط. وتجد نفسها مضطرة إلى قبول الأمر، حتى لا تخسر زبائنها.

على الرغم من عدم امتلاكها للكثير من الوقت، إلا أنها تطمح أن تكون قادرة في أحد الأيام على تعليم الأشخاص المعوقين، وخصوصاً الذين يعانون من إعاقات حركية، وصولاً إلى دمجهم في المجتمع.

اقرأ أيضاً: غزاويات يلعبن كاراتيه
المساهمون