من غير المحدد بدقة بعد، مدى الضرر الذي ألحق بالآثار التدمرية في حقبة السيطرة الداعشية عليها، فتنظيم داعش، بطبيعة الحال، لا يولي الآثار والأوابد التاريخية أي احترام. بل تحتقر الذهنية السلفية الجهادية فكرة الولع بتاريخ المنطقة ما قبل الإسلام، وتعتبره أقرب للشرك.
ويمتد احتقارها هذا، لمقامات ورموز عمرانية صنعت في العصور الإسلامية، إذ سبق ورأينا جنود داعش وهم يحطمون آثار متحف الموصل بُعيد سيطرتهم على المدينة، وجنود طالبان يهدمون تماثيل بوذا في أفغانستان، وهو ما يبدو كمزيج من رسائل القوة وإشهار الاغتراب عن المجتمع المحلي، فخلال قرون من الحكم الإسلامي لم تهدم أهرامات مصر، ولا أعمدة بعلبك أو تدمر.
في المقابل، لم يكن لتدمر أو غيرها من بقايا الكنوز الحضارية السورية، التقدير الملائم في الحقبة الأسدية، فقد كان لمنجزٍ بعثيّ مثل سدّ الفرات، أن يحظى بالاهتمام، في المناهج الدراسية أكثر من تدمر أو أفاميا أو عمريت.
أما قبر، باسل الأسد، نجل الرئيس الراحل، حافظ الأسد، ومن ثم قبر الأب نفسه، فتحولا في الخطاب الرسمي إلى "الضريح"، الذي تزوره الوفود الشعبية والرسمية، وطلاب المدارس، في المناسبات "الوطنية"، وسط حراسة رسمية، وديوان موظفين وإنفاق سخي. بينما، وفي المحافظة نفسها، لا يكاد أحد يعرف موقع "أوغاريت" التاريخي، الذي كتبت فيه أول أبجدية في التاريخ، ومن يعثر عليه يذهل لغياب الرعاية الرسمية!
لم يحاول، حافظ الأسد، نبْشَ تاريخ سورية قبل الإسلام، وتقديمه كمنتج حضاريّ سوريّ، تتباهى به البلاد ويجذُب السيَّاح، بل ساد في التعليم الرسمي السوري، على اعتبار الوجود البشري في سورية قبل الإسلام عروبياً خالصاً فقط، بحيث تأتي موجات هجرة بشرية، من شبه جزيرة العرب لتصنع حضارات متلاحقة في منطقة الهلال الخصيب، والساحل الشرقي للمتوسط.
واكتفى الأسد الأب بصورة لصلاح الدين الأيوبي، وهو يهزم الصليبيين في معركة حطين، ليعلقها في مكتبه، وكأنه يعتبرها التاريخ الجدير بالاهتمام، والذي يتناسب مع الخطاب البعثي!
فيما كان قرينه البعثي في العراق، صدام حسين، مهووساً بالتاريخ القديم، وبدمجه للميثولوجيا والشخصيات التاريخية للعراق في منظومة حكمه، باعتبار شخصه هو المتمم لهذا التاريخ من الأمجاد، وكان قد افتتح عهده الرئاسي بمهرجان "في الأمس نبوخذ نصر واليوم صدام حسين"، ليخوض بعدها حرباً مع إيران دعاها بقادسية صدام، وكان استنساخه لبوابة عشتار مصحوباً ببناء التماثيل لنفسه.
بينما ضرب إيران في الحرب بصواريخ الحسين والعباس! فاحتكر التاريخ ما قبل وبعد الإسلام في العراق. وبعد سقوطه ودخول الدبابات الأميركية العراق، كان نهب المتحف العراقي، من أولى تداعيات انهيار حكمه.
اقــرأ أيضاً
واليوم، ورغم أن النظام السوري لم ينهر بعد، فإن مافيات التهريب تعمل مع المسلحين من كل الأطراف، فتجارة الآثار تترافق مع تجارة النفط الداعشي والأسلحة، ضمن تفاهمات مكتومة تنتج اقتصاد حرب، تعتاش عليه قادات فصائل ومسؤولون في النظام.
وفيما يمارس إعلام النظام السوري وجمهوره، بين الفينة والأخرى، بكائيات حول التاريخ المستباح والكنوز المهددة، دون كشف حساب حول كيفية صيانة وحماية هذه الثروة، وحقيقة تهريب أعداد لا تحصى منها في الفترة السابقة للثورة، تبدو اللهفة المصطنعة على تدمر وشقيقاتها، أشبه برسالة إلى العالم الخارجي فقط!
يتوازى ذلك مع آلة زمن، يركبها أنصار النظام السوري لتقودهم إلى سورية القديمة، فيكتشف بعضهم الأصول الفينيقية وآلاف السنين من الحضارة السابقة على الإسلام والعرب، في تقليد ممجوج لسابقة لبنانية في الحرب الأهلية، وهو ما سيعود النظام السوري لتداركه، وتقديم آلة الزمن للعصر الإسلامي عند أول بادرة مصالحة مع العرب.
ويمتد احتقارها هذا، لمقامات ورموز عمرانية صنعت في العصور الإسلامية، إذ سبق ورأينا جنود داعش وهم يحطمون آثار متحف الموصل بُعيد سيطرتهم على المدينة، وجنود طالبان يهدمون تماثيل بوذا في أفغانستان، وهو ما يبدو كمزيج من رسائل القوة وإشهار الاغتراب عن المجتمع المحلي، فخلال قرون من الحكم الإسلامي لم تهدم أهرامات مصر، ولا أعمدة بعلبك أو تدمر.
في المقابل، لم يكن لتدمر أو غيرها من بقايا الكنوز الحضارية السورية، التقدير الملائم في الحقبة الأسدية، فقد كان لمنجزٍ بعثيّ مثل سدّ الفرات، أن يحظى بالاهتمام، في المناهج الدراسية أكثر من تدمر أو أفاميا أو عمريت.
أما قبر، باسل الأسد، نجل الرئيس الراحل، حافظ الأسد، ومن ثم قبر الأب نفسه، فتحولا في الخطاب الرسمي إلى "الضريح"، الذي تزوره الوفود الشعبية والرسمية، وطلاب المدارس، في المناسبات "الوطنية"، وسط حراسة رسمية، وديوان موظفين وإنفاق سخي. بينما، وفي المحافظة نفسها، لا يكاد أحد يعرف موقع "أوغاريت" التاريخي، الذي كتبت فيه أول أبجدية في التاريخ، ومن يعثر عليه يذهل لغياب الرعاية الرسمية!
لم يحاول، حافظ الأسد، نبْشَ تاريخ سورية قبل الإسلام، وتقديمه كمنتج حضاريّ سوريّ، تتباهى به البلاد ويجذُب السيَّاح، بل ساد في التعليم الرسمي السوري، على اعتبار الوجود البشري في سورية قبل الإسلام عروبياً خالصاً فقط، بحيث تأتي موجات هجرة بشرية، من شبه جزيرة العرب لتصنع حضارات متلاحقة في منطقة الهلال الخصيب، والساحل الشرقي للمتوسط.
واكتفى الأسد الأب بصورة لصلاح الدين الأيوبي، وهو يهزم الصليبيين في معركة حطين، ليعلقها في مكتبه، وكأنه يعتبرها التاريخ الجدير بالاهتمام، والذي يتناسب مع الخطاب البعثي!
فيما كان قرينه البعثي في العراق، صدام حسين، مهووساً بالتاريخ القديم، وبدمجه للميثولوجيا والشخصيات التاريخية للعراق في منظومة حكمه، باعتبار شخصه هو المتمم لهذا التاريخ من الأمجاد، وكان قد افتتح عهده الرئاسي بمهرجان "في الأمس نبوخذ نصر واليوم صدام حسين"، ليخوض بعدها حرباً مع إيران دعاها بقادسية صدام، وكان استنساخه لبوابة عشتار مصحوباً ببناء التماثيل لنفسه.
بينما ضرب إيران في الحرب بصواريخ الحسين والعباس! فاحتكر التاريخ ما قبل وبعد الإسلام في العراق. وبعد سقوطه ودخول الدبابات الأميركية العراق، كان نهب المتحف العراقي، من أولى تداعيات انهيار حكمه.
واليوم، ورغم أن النظام السوري لم ينهر بعد، فإن مافيات التهريب تعمل مع المسلحين من كل الأطراف، فتجارة الآثار تترافق مع تجارة النفط الداعشي والأسلحة، ضمن تفاهمات مكتومة تنتج اقتصاد حرب، تعتاش عليه قادات فصائل ومسؤولون في النظام.
وفيما يمارس إعلام النظام السوري وجمهوره، بين الفينة والأخرى، بكائيات حول التاريخ المستباح والكنوز المهددة، دون كشف حساب حول كيفية صيانة وحماية هذه الثروة، وحقيقة تهريب أعداد لا تحصى منها في الفترة السابقة للثورة، تبدو اللهفة المصطنعة على تدمر وشقيقاتها، أشبه برسالة إلى العالم الخارجي فقط!
يتوازى ذلك مع آلة زمن، يركبها أنصار النظام السوري لتقودهم إلى سورية القديمة، فيكتشف بعضهم الأصول الفينيقية وآلاف السنين من الحضارة السابقة على الإسلام والعرب، في تقليد ممجوج لسابقة لبنانية في الحرب الأهلية، وهو ما سيعود النظام السوري لتداركه، وتقديم آلة الزمن للعصر الإسلامي عند أول بادرة مصالحة مع العرب.