شهد مقرّ "ميزون دي ميتايّو"، وهو مركز ثقافي تابع لبلدية باريس، مساء الأحد، ندوة تحت عنوان: "أية آفاق من أجل فلسطين أمام المحكمة الجنائية الدولية؟"، خصوصاً بعد انضمام دولة فلسطين، في يناير/كانون الثاني الماضي إلى هذه المحكمة، فضلاً عن حصولها على صفة "دولة مراقب غير عضو في منظمة الأمم المتحدة". وشارك في الندوة، كل من عليا عون، المحامية المتخصصة في القانون الجنائي الدولي، وروني برومان، مدير الدراسات في مؤسسة "أطباء بلا حدود" ورئيس سابق للمنظمة، وتوفيق تهاني، رئيس "جمعية فرنسا ــ فلسطين".
وكانت المتخصصة في القانون الدولي، ستيفاني موباس، قد أدارت الندوة، ورسمت وضعية متشائمة عن المحكمة، على الرغم من القيمة الرمزية لها، واعتبرت أن "المحكمة ليست قوية ولكن أنشطتها تحظى بكثير من الاهتمام". وتحدثت عن كثير من المعوّقات في وجهها، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.
وذكرت أن "إسرائيل اعتبرت اعتراف الفلسطينيين بالمحكمة بمثابة الصاعقة، وعدّتها اعترافا سياسيا. بالتالي فإن الحلول لا تأتي إلا من خلال التفاوض بينها وبين الفلسطينيين". ولكن إسرائيل، كما تقول موياس، "عبّرت عن رغبتها في التعاون وقدمت معلومات عن فلسطينيين". ولم يفتها أن تشير إلى موقف السلطة الفلسطينية المتردد منها، إذ إنها "لم تكن في عجلة من أمرها في الانضمام، على الرغم من قبول حركة حماس بهذا الانضمام".
اقرأ أيضاً محاكمة قتلة أبو خضير: مراوغة إسرائيلية للتملّص من الإدانة
وترى عون أن "المحكمة ليست قريبة. كما أن المدعية العامة للمحكمة ليست من يقرر، إذ إن ثمّة 16 قاضياً يقررون، ويتم انتخابهم. وغالباً ما تتم الصفقات في الكواليس. أما بالنسبة للمجموعة العربية، وبسبب انضمام أربع دول عربية فقط للمحكمة، فهي عاجزة عن إيصال قاضٍ عربي إليها".
بالنسبة إلى برومان، فإن "المحكمة الجنائية الدولية في حد ذاتها، شيء إيجابي، لأنها تدين الكيان الإسرائيلي". ولكنه استدرك قائلاً إن "إسرائيل لم تعد تعنيها سمعتها، التي تكشف استطلاعات عالمية للرأي، أنها سيئة بقدر سمعة كوريا الشمالية. وعدا هذا الجانب، فإن الحقيقة والمنطق يقولان بأن إسرائيل عاجزة عن فعل شيء". ويرى أنه، "من خلال استنتاج أن المحاكمات لم تُطبّق حتى الآن سوى على القارة الإفريقية، حتى لكأنها لم تُعدَّ إلا من أجلها". وتابع "لن تُحاكَم إذا كان عندك من يُدافع عنك. أي إذا كان عندك حليف استراتيجي، وعضو دائم في مجلس الأمن، وهي حالة إسرائيل التي تحظى بحماية عسكرية وأمنية وإستراتيجية أميركية، وكذلك حالة (الرئيس عمر) البشير في السودان أيضاً". وأردف برومان، ساخراً: "هل يتعلق الأمر بتصفية حسابات، أم بقانون دولي؟".
ونوّه برومان بظاهرة "إلغاء بعض المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين زيارتهم لبعض الدول الغربية، خوفاً من اعتقالهم، وكانوا قبل إنشاء هذه المحكمة يعتبرون أنفسهم فوق القانون". ولكن الرئيس السابق لمنظمة "أطباء بلا حدود"، عاب على المحكمة إغفال الجانب السياسي في المحاكمات، وهو ما يعطي الانطباع بأنها تحاكم أفراداً من دون خلفيات سياسية، و"تساوي بين المهاجِمين وبين من يتعرّض للاعتداء، وبين المُحاصِرين والمحاصَرين".
وسأل برومان "في هذه الحالة من سيكلّف نفسه عبء الدفاع عن الفلسطينيين؟ لأن الأمر مُكلف سياسياً. بالتالي لا توجد أية دولة عظمى تدافع عن الفلسطينيين". من جهته، ألحّ تهاني، على القول بإن "قرار السلطة الفلسطينية الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية كان بمثابة ابتزاز، ولم يكن مبدئياً، ويتجلّى ذلك في بطء الإجراءات الفلسطينية، وهذا خطأ كبير".
ومرّ تهاني على "انتفاضة السكاكين التي تعرفها الأراضي الفلسطينية حالياً"، معتبراً أنه "صدرت أوامر بتصفية وقتل الفلسطينيين، على الرغم من قدرة الجيش على إيقاف معظم المتهمين بالهجمات. وقد أكدت منظمات حقوقية إسرائيلية هذه الوقائع، مما دفع وزيرة سويدية لإدانة تصرفات الجيش الإسرائيلي، وهو ما عرضها لاحتجاج رسمي إسرائيلي".
وأما الموقف الفرنسي من المحكمة الجنائية الدولية، فقد كشف تهاني أن "وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، الذي نلتقيه لتدارس الأوضاع في فلسطين، لا يخفي ضيق صدره حين نتحدث له عن دور للمحكمة الجنائية الدولية في معالجة ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
اقرأ أيضاً أنيس القاسم:يجب إلغاء أوسلو والسلطة غير جادّة بمحاكمة الاحتلال