في أحد الأيّام، دخل آرش إسماعيل زاده إلى قبو منزل جدّه رغبةً منه في معرفة ما فيه. كان قد مضى على وفاه الأخير سنوات عدة. في القبو، رأى ما أثار استغرابه كثيراً في البداية. عثر على قرون وأنياب لحيوانات مفترسة وأليفة، كان جدّه قد جمعها على مدى سنوات، هو الذي كان يهوى الصيد كثيراً. اتخذ قراره بالاستفادة من هذا الإرث وتحويل هذه المقتنيات إلى أعمال فنية.
زاده البالغ من العمر 25 عاماً، حاصل على شهادة ماجيستير في الهندسة المعمارية. يهوى الرسم والتصميم، وقد اهتمّ بتعلّم فنون أخرى كالنحت والتخطيط. دائماً ما يعمل مع أصدقائه، وقد قرّروا معاً تطوير أعمالهم الفنية وتبادل خبراتهم. حين رأى كلّ ما جمعه جدّه في قبوه، لم يعرف ما يمكن فعله بهذا الكمّ من الأنياب والقرون. فكر في ما يمكن أن يفعل بها فنانون في الهند، وقرّر القيام بالمثل، على أن يضفي عليها طابع الثقافة الإيرانية.
بدأ العمل قبل نحو ثلاث سنوات. يقول لـ "العربي الجديد" إنه لم يحقّق هدفه بعد، وإن أعجبت أعماله فنانين إيرانيّين وغيرهم. أدرك أنّ عمله يحتاج إلى مزيد من الجهد والوقت ليأخذ مكانته بين الفنون الإيرانية الأخرى.
الفنون الجميلة على اختلافها وتنوّعها في إيران، عادة ما تسجّل في مؤسسة الميراث الثقافي والصناعات اليدوية التابعة للحكومة الإيرانية. لكنّ أعمال زاده، على الرغم من الإقبال الكبير عليها والشهرة التي حقّقتها خلال الفترة الماضية، لم تحظَ بعد بالاهتمام المطلوب من المسؤولين.
في الوقت الحالي، يسعى زاده إلى تحويل الرسم على أنياب الحيوانات وقرونها إلى فنّ أكثر رواجاً في البلاد. يقول إنّ الأمر يتطلّب تسجيل هذا الفنّ رسمياً، هو الذي يدرجه ضمن الصناعات اليدوية. لكنّ بعض المسؤولين يعتبرونه فناً هندياً، بالتالي لا يدعمونه كأحد الفنون الإيرانية التقليدية.
يحاول زاده إضفاء الطابع الثقافي والهويّة الإيرانيين على أعماله. مثلاً، يستخدم قرون حيوانات تعيش في مناطق معينة في البلاد، ويرسم عليها بعضاً من الأساطير الإيرانية القديمة. في أعماله، يعتمد المدرسة الواقعية، ويكتب بالخطوط الفارسية القديمة. يقول إنّ هذا الفنّ يعدّ جديداً في إيران، ما يجعله يحظى باهتمام كثيرين طالما أنه يحافظ على هوية بلاده. يضيف أنّه طوّر عمله كثيراً في الآونة الأخيرة، وصار يستخدم الخشب والعاج وغيرها، وينحتها على شكل قرون وأنياب قبل أن يرسم عليها.
لم يكتف زاده بذلك. جرّب أيضاً نحت قرون وأنياب الحيوانات. اختار نحت مجسّمات تمثّل قصصاً في "الشاهنامه" (كتاب الملوك) الإيراني المعروف، والذي يروي فيه أبو القاسم فردوسي بعضاً من الأساطير الفارسية. وقد عمل فنانون إيرانيون على تمثيلها وتجسيدها في أعمالهم المختلفة بوسائل غريبة وجديدة.
شارك وزملاؤه في معارض محلية عدة، منها معارض رعتها بلدية العاصمة طهران، وحتى مؤسسة البيئة. يسعى إلى إيصال أعماله إلى خارج إيران، وقد دعي وزملاؤه العاملين معه للمشاركة في معرض للصناعات اليدوية في أوروبا. بالنسبة إليه، هذا أمر مفرح، إلا أنّه يحتاج إلى دعم حكومي، أقله لتغطية النفقات، بالتالي التمكن من إيصال فنّ إيراني جديد إلى العالمية.
لدى سؤاله عمّا إذا كان عمله يؤثّر سلباً على البيئة، يوضح أنه يستخدم القرون والأنياب التي تعود إلى جده. ويحرص اليوم على استخدام تلك الصناعية أو حتى الطبيعية التي يحصل عليها بعد نفوق الحيوانات فقط. ويلفت إلى أنه يرفق كل عمل فني بمعلومات عن الحيوانات وأماكن وجودها في إيران، مضيفاً أنّه من غير المسموح له ولزملائه الصيد، الأمر الذي يحرص على الالتزام به. يشرح أنّ كثيرين انتقدوا عمله هذا إذ يظنّون أنّه يقتل الحيوانات. لكنّ جلّ ما يفعله هو زيارة الغابات المنتشرة في مناطق إيرانية كثيرة، والبحث عن قرن مكسور أو حيوان نافق، لافتاً إلى أنها مهمّة بالغة الصعوبة. لذلك، غالباً ما يعتمد على المنتجات الصناعية لا الطبيعية، علماً أنّ القطعة الفنية المرسومة على ناب أو قرن طبيعي أغلى.
يوضح زاده أنّ لا مؤسّسات تعليمية خاصة أو أماكن معينة لتعليم هذا النوع من الفنّ للراغبين، في حين تلقى أعماله إعجاب السياح، خصوصاً أولئك الذين يزورون إيران للمرة الأولى. قطعة فنية واحدة كفيلة بتعريفهن على جزء من هوية وثقافة إيران.
يصف زاده عمله بالمختلف والبسيط. يقول إنّه عبارة عن مزج ما بين الطبيعة والفنّ، مشيراً إلى أنّه من خلال أعماله، يروّج للحياة الطبيعية في إيران، إذ كثيرين لا يعرفون شيئاً عن غابات إيران وصحاريها.