آذار .. إنصاف المرأة أم ظلمها؟

28 مارس 2015

ما تحصل عليه المرأة من "تكريم" يكون شكلياً (Getty)

+ الخط -

يسمى "آذار" شهر المرأة، لأن رزنامته تتضمن عيدين يخصان النساء: اليوم العالمي للمرأة في الثامن منه، وعيد الأم في يومه الحادي والعشرين. تُرى، كم نفعت هذه المناسبات قضية المرأة في عالمنا العربي، خصوصاً، وهو يعاني أزمات ثقافية، تتجلى في شكل تأخر حضاري عن العالم؟

تساؤل كهذا يستمد مشروعيته من ذهاب نفر من المفكرين مذهب الراحل هشام شرابي، في رد الأزمة الحضارية العربية إلى ما تعانيه المرأة العربية من ظلم داخل "النظام الأبوي" الذي يحكم مجتمعاتنا، وصولاً إلى القول إن التغيير في العالم العربي مشروط بـ "تحرير المرأة قولاً وفعلاً"، بمعنى أن هدم النظام الأبوي، والانتقال إلى المدنيّة ودولة المواطنين الناهضة، لا يمكن أن يتحقق إلا ابتداءً من تصحيح مكانة المرأة وإقامة المساواة بينها وبين الرجل، باعتبار أن ذلك يفتح باب المساواة بين الجميع، ويقود إلى تقويض الدكتاتورية الأبوية في السلطة، كما في المجتمع.

في إطار كهذا، اعتمدت دول ومجتمعات، في مغرب العالم العربي ومشرقه، فكرة "التمييز الإيجابي" لصالح المرأة، في التعليم والعمل والحياة العامة والسياسية. وسواء كان مرد ذلك إيماناً حقيقياً بأولوية قضية المرأة في حل الأزمة الحضارية، أم لا، فإن وضع المرأة العربية لم يتغير، بصورة جوهرية، بعد سنوات من هذا "التمييز"، بل إن الواقع الحضاري العربي لم يتغير كثيراً هو الآخر.

قبل سنوات طويلة، فقد أحد الأصدقاء فرصته بدراسة الصيدلة في الجامعة، لأنه تساوى في علامته مع زميلة له، فكانت أولوية الحصول على المقعد الدراسي للمرأة، بدعوى تعظيم فرصها في الحياة. أحس ذلك الشاب يومها بظلم كبير، وتساءل: هل يُعقل أن يتم إنصاف المرأة من خلال ظلم الرجل؟

الراجح أن الإنصاف في مثل هذه الحالات، المسماة تمييزاً إيجابياً، لا يطال المرأة ولا الرجل، فما تحصل عليه المرأة من "تكريم" لا يتجاوز أن يكون شكلياً لا فعلياً، لأنه لا يشمل كل النساء، بل تستفيد منه بعضهن وحسب، ولأنه يكرّس فكرة الاختلاف في الحقوق والواجبات العامة بين الرجل والمرأة، فيقدّم أحدهما على الآخر، ولا يعاملهما على قدم المساواة كأفراد في مجتمع واحد.

وعليه، ينعكس التمييز الإيجابي، المفترض، سلبياً على قضية المرأة التي تتمحور حول تجاوز الذكورية لصالح أنسنة المجتمع، أي الوصول إلى حالة من التكافؤ بين أفراده، بغض النظر عن عامل الجنس، لأن هذا التمييز يُكرّس ما يُفترض تجاوزه، ويُذكّر بما يجب تناسيه، أي على عكس المطلوب تماماً

إذا كنا نتفهم قضية المرأة في المجتمعات العربية، ونتبناها، انطلاقاً من كونها عنواناً لـ "التكافؤ"، فإن علينا رفض استغلالها لتحقيق مآرب ومصالح خاصة وفردية، سواء من الرجال أو من النساء. وقد أجاد كثيرون وكثيرات تحقيق غاياتهم، باستخدام قضية المرأة، وصارت المرأة "ديكوراً" يُشار له بالبنان، في أكثر من موضع، فيما إحراز التكافؤ لا يتقدم عملياً.

والحال أن قضية المرأة ليست معركة مع الرجل، بل هي معركة مع ثقافة مجتمعٍ يبني سلوكه على قاعدة القوة، لا على قاعدة العدل. إنها المعركة الثقافية نفسها مع الفساد البنيوي بتجلياته كافة، الناتج عن قاعدة القوة تلك. فالذكورية واحدة من تجليات "حكم القوي على الضعيف"، تماماً كما هي الواسطة والمحسوبية، فهي "حكم القوي"، وتماماً كما هي الرشوة، لأنها تحقيق غايات من خلال قوة المال، إنها "حكم القوي" أيضاً الذي تطول قائمة تجلياته، ولا تنتهي.

هكذا، فإننا لا نواجه، في جوهر الأمر، قضايا متعددة في مجتمعنا، موزعة على القطاعات الاجتماعية، بحسب العمر والجنس والعرق، بل نواجه "قضية مركزية" رئيسية، أساسها غلبة الظلم على العدل.

العدل والظلم في المجتمعات المتحضرة ليسا متروكين لنُبل أخلاق الناس، وحُسن تعاطيهم مع بعضهم، بل يجري تهذيبهما في تطبيق القانون. وقبل ذلك، في نشر ثقافة احترام القانون بين الناس، وإذا كان في غياب القانون ما يشيع الظلم، ويُنقص من العدل، فما القول إذا عانت المرأة العربية من قوانين تظلمها، صيغت بالعقلية الذكورية، كتلك المتعلقة بفكرة "الشرف"؟

من هذه المنطلقات، تكون أعياد المرأة في آذار أعمق وأكثر مغزى، لو تركز الاحتفال بها على فكرة حق المرأة في العدل. حينئذٍ، تكون أعياداً للمرأة والرجل معاً، لأن العدل يساوي بين الطرفين، فيما الظلم يمس أحدهما فقط.

1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.