"BDS".. جهاد أكبر
يبدي الكيان الصهيوني حساسية كبيرة تجاه تعاظم أنشطة حركة المقاطعة الدولية ضده "BDS"، حيث تتعاطى دوائر صنع القرار في تل أبيب معها باعتبارها تهديداً استراتيجياً. ونظراً لإدراك حجم "الضرر" الناجم عن أنشطة هذه الحركة، كلفت حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة الوزير يغآل أردان بتنسيق جهود الكيان الهادفة لمواجهة هذه الحركة، وتقليص "أضرارها". ويقود أردان خلية عمل تضم ممثلين عن جميع الوزارات ذات العلاقة، وتعمل بتنسيق كامل مع سفارات إسرائيل والمنظمات اليهودية في أرجاء العالم، ولا سيما داخل الولايات المتحدة وأوروبا. لم تقف الأمور عند هذا الحد، بل إن ديوان نتنياهو يعمل، بشكل مباشر، مع الأغلبية الجمهورية في مجلسي الكونغرس، للضغط على الإدارة الأميركية لإجبارها على التحرك ضد أية دولة أوروبية تتعاطى مع "BDS"، وتستجيب لمطالبها بفرض عقوبات على إسرائيل. وهذا ما وجد تعبيره في مشروع القانون الذي تقدم به عضو مجلس الشيوخ الجمهوري، بن كاردين، لإلزام الإدارة بالتواصل مع الحكومات الأوروبية، ومنعها من فرض أية قيود على تسويق السلع التي تنتج في المستوطنات اليهودية، المقامة على الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 داخل أوروبا. وتجمع مستويات الحكم والنخب الصهيونية التي تناولت آثار فعل "BDS" على أنها باتت أكبر مصدر لنزع الشرعية الدولية عن إسرائيل. وعلى الرغم من أن عشرات من الباحثين والمفكرين الصهاينة أسهبوا في رصد مركبات الخطر الاستراتيجي الذي تمثله "BDS"، فإن سلسلة التحقيقات التي أعدها الصحافي والكاتب بن دورون يميني، وشرعت صحيفة يديعوت أحرونوت في نشرها ابتداءً من الأول من يونيو/حزيران الجاري، تتوسع بشكل خاص في رصد مخاطر هذه الحركة، وآليات العمل المطلوبة لمواجهتها.
ويجزم بن يميني بأنه على الرغم من أن حركة المقاطعة الدولية لم تمثل بعد تهديداً جدياً على الاقتصاد الإسرائيلي، إلا أنها تترك انطباعات عميقة على الوعي الجمعي العالمي تجاه إسرائيل، ولا سيما داخل الولايات المتحدة التي تعد الحليف الأبرز لإسرائيل في العالم، ويعمل فيها اللوبي الأكثر تنظيماً والأشد حماساً لدعم الكيان الصهيوني، والتصدي لأي مؤشر يشي بتغيير ما في السياسة الأميركية تجاه تل أبيب. وعلى الرغم من أن إسرائيل تحظى بتأييد واسع لدى الرأي العام الأميركي، كما تعكس ذلك استطلاعات الرأي، إلا أن بن يميني يرى أن هذه الاستطلاعات تقدم صورة مضللة تماماً، موضحا أن هناك تحولاً واضحاً ومطرداً وثابتاً في
الموقف من إسرائيل داخل الجامعات ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الأميركية. أكثر ما يحذر منه بن يميني أن تياراً داخل الحزب الديمقراطي بات لا يتردد في الإسهام بقوة في أنشطة "BDS"، محذراً من أن المعسكر المعادي لإسرائيل داخل الحزب قد يصبح من القوة إلى درجة أن مرشحي الحزب للانتخابات الرئاسية قد يضطرون للأخذ بالاعتبار مواقف هذا التيار، عندما يبلورون تصوراتهم من إسرائيل. ولا خلاف في إسرائيل على أنه، في حال حافظت "BDS" على هذه الوتيرة، فإنها ستتحول، مع مرور الوقت، إلى تهديد اقتصادي، سيفضي إلى تراجع عوائد التصدير، ناهيك عن تكبد إسرائيل خسائر غير مباشرة، ستنجم عن توقف التعاون بين إسرائيل والدول الأوروبية في مجال البحث العلمي، وغيرها من مجالات.
لكن، لا شك في أن أكثر ما يثير رعب القيادة والنخب الصهيونية حقيقة أن نسبة كبيرة من نشطاء "BDS" في الولايات المتحدة هم من اليهود تحديداً، بل بات اليهود يمثلون أغلبية نشطاء الحركة في بعض المدن الأميركية، مثل شيكاغو (هارتس،28-5). إن أحد أسباب الإحباط التي تشعر بها القيادة الصهيونية تتمثل في حقيقة أن بعض قيادات "BDS" من اليهود تبنوا مواقف مناوئة للصهيونية تماماً، بعد أن زاروا إسرائيل بناءً على ترتيب مسبق من الحكومة الإسرائيلية، كما حدث مع الطالب الجامعي سوس سوسمان وغيره. ولا شك في أن خطورة مشاركة النخب اليهودية الشابة في أنشطة "BDS" بشكل خاص تتمثل في أنها تؤذن باتساع الشرخ بين الكيان الصهيوني وأكبر وأهم جالية يهودية في العالم. ويفاقم الشعور بالحرج لدى الحكومة الإسرائيلية أن هذا الواقع يتجسد على الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية تعكف على تنفيذ خطة شاملة، بكلفة أكثر من مليار دولار لتعزيز التواصل مع يهود العالم، وخصوصاً مع اليهود الأميركيين، وتحديداً الشباب.
تفرض العوائد الهائلة لـ "BDS" على الفلسطينيين بلورة استراتيجية شاملة لدعمها وتمكينها من أداء مهامها، من خلال التواصل مع قياداتها في كل دولة، والتوافق معها على استراتيجيات عمل تزيد من فاعليتها. ويفترض بالسلطة والفصائل الفلسطينية أن تتعاون في مجال تزويد "BDS" بكل المواد والمعطيات الموثقة لمساعدتها على العمل بكفاءة، ناهيك عن الحرص على جمع تبرعات لمساعدتها على أداء مهامها. ويتوجب إعادة صياغة الخطاب الفلسطيني (للسلطة والفصائل) بما يخدم أنشطة "BDS"، بحيث لا يكون عبئاً عليها. يتوجب على فصائل المقاومة تحديداً الحرص على تبني خطاب وانتهاج سلوكٍ، يقلص من قدرة الصهاينة على توظيفه في صد أنشطة "BDS". في الوقت نفسه، يتوجب التواصل مع الجاليات اليهودية في جميع أرجاء العالم، ولا سيما في الولايات المتحدة، وشرح القضية الفلسطينية لها، وإبراز حجم الجرائم التي ترتكب في إسرائيل، فنحن مطالبون بالتخلي عن المواقف المسبقة، حيث إن كثيرين من يهود العالم يتبنون مواقف ليبرالية، ويحتكمون لمنظومات قيم إنسانية عالمية. صحيح أن هذه الجاليات تقع تحت قصف الدعاية الصهيونية، لكن التجربة أثبتت أنه في الوسع التأثير على مواقفها، ما يعني المس بذخر صهيوني ثمين.
قصارى القول، "BDS" جهاد أكبر ذل من يقدر على تلبية ندائه ويتخلف.