"Anchor man".. الجندي المجهول في كرة القدم

17 مارس 2015
+ الخط -


من سيُخلف ماتيتش في نهائي كأس الرابطة؟ كان هذا السؤال هو الأشهر على الإطلاق، قبل ساعات قليلة من انطلاق المباراة التي فاز بها تشيلسي على توتنهام بهدفين دون رد. مع إجابة مورينيو في ويمبلي، زوما هو الحل. ومع هجوم من توتنهام مقابل دفاع وتحفظ من تشيلسي، نجح الزرق في إغلاق كافة الطرق المؤدية إلى مرماهم، ولعب مورينيو على إيقاف تحركات وخطورة نجم توتنهام، كريستيان اريكسن، في وبين الخطوط، أمام منطقة وسطه وخلف توأمه الهجومي كين، وكان السر في كورت زوما.

ورغم أن كرة القدم في كل الأوقات تسير في طريق الأهداف وصناعتها، ويخطف نجوم التهديف الكاميرات من الجميع، بالإضافة إلى ملوك الرقم 10 الذين يقدمون الهدايا للبقية، ويتقمصون شخصية "بابا نويل" في مختلف المباريات المعقدة، إلا أن هناك رقعة تقدير خاصة، وبقعة احترام مضيئة، لهؤلاء الذين يقومون بدور فعال ومحوري في الخطوط الخلفية من الملعب، وبالتحديد جنود الارتكاز في الثلث الدفاعي، أو فيما يُطلق عليهم تكتيكياً مصطلح الـAnchor Man.

صمام الأمان
إنه اللاعب الذي يُمثل صمام الأمان بالنسبة للفريق، وحجر الأساس الذي تنتهي عنده كل هجمات الفريق المنافس، مع قدرته على تثبيت أقدام النجوم هجومياً، بالتغطية الفعالة والقيام بالشق الدفاعي الكامل، لذلك تنطلق الأسماء الكبيرة في الثلث الهجومي بحرية بدون رقابة، بسبب وجود من يحمي ظهرهم في الخلف. تكتيك الرجل الكبير Big Man والرجل الصغير Little Man.

لغوياً، المرساة أداة غالبا ما تصنع من المعدن وتستخدم في تثبيت السفينة في قاع المياه في نقطة محددة. وإذا حولنا هذا المعنى كروياً، ووضعناه في سياق قواعد وقوانين كرة القدم، فإننا أمام حالة نيمانيا ماتيتش مع فريق تشيلسي هذا الموسم، الارتكاز الذي بدأ حياته الكروية كصانع لعب صريح ولاعب وسط هجومي حاد، لكن كل شيء تغير على يد العبقري سيئ الحظ، خورخي خيسوس، مدرب بنفيكا.

وصل ماتيتش إلى قمة تألقه الكروي في نهائي الدوري الأوروبي 2013 بين تشيلسي وبنفيكا، المباراة التي خسرها الفريق البرتغالي بهدفين مقابل هدف. سيناريو اللقاء أجبر مسؤولي تشيلسي على ضرورة استعادة نيمانيا مرة أخرى، بسبب قدراته الدفاعية الخارقة وقوته في قطع الكرات، وافتكاك الهجمات، وكسر فرص المنافس، والمواجهات الهوائية السليمة.

رقمياً، قام ماتيتش بعمل 74 عرقلة مشروعة، و40 لعبة هوائية، و55 افتكاكا للكرة، و79 تشتيتا، في 25 مباراة فقط، وهذه الأدوار القوية تساهم في إراحة زميله سيسك فابريجاس، وجعله أقرب للهجوم، مما يُحسّن من الشكل الأخير للفريق اللندني، لكن هل كانت هناك أدوار تكتيكية قديمة تشبه ما يقوم به كل من ماتيتش وزوما؟

الماضي يرد
يعتقد الكثيرون أن باتريك فييرا هو الحلقة المفقودة في تشكيلة أرسنال بعد رحيله، خصوصاً أن الوسط تأثر كثيراً بغياب الفرنسي، وغاب عن البطولات الكبيرة، بعد رحلة تألق تاريخية وموسم 2004 الذي لا يتكرر بسهولة، مع خطة 4-4-2 لأرسين فينجر، والأيام الخوالي رفقة النجوم الكبار، تيري هنري، لوينبرج، بيرجكامب، فييرا، بيريس، كول، وعمود الفريق القوي جلبيرتو سيلفا.

نعم.. سيلفا هو الرجل الذي لم يعوضه المدفعجية حتى اليوم، لاعب الارتكاز القوي القادر على قطع الكرات وكسر هجمات الخصم، وإعطاء الحرية الكاملة لزملائه في الحركة والهجوم. لعب البرازيلي دور الجندي المجهول في مونديال 2002، وساهم كثيراً في تحسن مستوى زميله وشريكه كليبرسون في منطقة الارتكاز، لينتقل إلى إنجلترا ويصنع المجد مع الأستاذ الفرنسي في ملعب الهايبري.

"لم أحب أبدا الدفع بالثنائي فييرا وسيسك جنباً إلى جنب، ليس لسبب نفسي، بل لأنهما يصعدان كثيراً للأمام، ويتركان العمق الدفاعي من دون رقابة" يتحدث فينجر عن أرسنال الألفية الجديدة. ويضيف قائلاً "وحده جيلبرتو سيلفا كان بمثابة الضالة بالنسبة لي، لأنه يفهم معاني الارتكاز، ويربط الخط الدفاعي بالكامل". لذلك مثّل سيلفا أقوى أدوار الـAnchor Man في السنوات الماضية.

دور دفاعي فقط؟
يمتاز لاعب، مثل مودريتش، بقدرته على تغيير نسق أي مباراة، وقلب تحركاته، لكي يتواجد دائماً في الفراغات التي يتركها المنافس، لذلك من الصعب جداً رقابته، لأنه صانع لعب غير تقليدي، سريع ومتحرك في كل مكان بالملعب. وكما يتألق الآن مع ريال مدريد، فإن الكرواتي كانت له صولات وجولات في الدوري الإنجليزي، وبالتحديد مع فريق توتنهام، ومن أسباب تألق لوكا وجود لاعب ارتكاز قوي خلفه في معظم المباريات الكبيرة.

يحترم المدرب البرتغالي، فيلاس بواش، كثيراً اللاعبين الدفاعيين في المنتصف، ويؤكد أن مودريتش حصل على كامل الحرية، بسبب وجود لاعب آخر يدعمه أمام رباعي الدفاع، لذلك ارتبطت نجاحات الكرواتي بزميله الـAnchor داخل قلعة السبيرز. وخلال مباراة توتنهام وميلان في دوري أبطال أوروبا 2011، وضع المدرب هاري ريدناب كامل رهاناته على نجميه مودريتش وفان دير فارت، لكن بوجود الارتكاز ساندرو في الخلف.

لذلك من الخطأ التركيز فقط على مردود اللاعب الدفاعي في قطع الكرات، بل يقوم أيضاً بدور هجومي في دفع زملائه نحو منتصف ملعب الخصم بدون تهور أو اندفاع.

الخطة المناسبة
لاعب الارتكاز القوي يصلح لأي طريقة لعب، ويجيد التكيف مع مختلف الخطط، لكن طريقة 4-4-2 تحتاج فعلياً إلى جندي تكتيكي من طراز المرساة الصلبة القوية أمام خط الدفاع، وذلك بسبب اللعب فقط بثنائي في المنتصف، مع مهاجمين في الأمام، بالتالي يزيد العبء على خط الوسط وتتعقد فكرة التوازن التكتيكي كثيراً.

أفضل مثال على ذلك، هو فريق مانشستر سيتي، بسبب استمرار بليجريني في اللعب بخطة 4-4-2، وتواجد الثنائي فرناندينهو وتوريه في المحور. واللاعبان أبعد ما يكونان عن الشق الدفاعي، فالبرازيلي لاعب "بوكس تو بوكس" صريح، والفيل الإيفواري أصبح لاعبا هجوميا خالصا، ولا يعود إلى الخلف إلا في أضيق الظروف.

إذا تواجد ذلك اللاعب القوي دفاعياً أسفل دائرة منتصف ملعب السيتي، سيتحرر توريه أكثر وتقل الكوارث التي يقوم بها كومباني، لأنه يصعد كثيراً إلى الأمام بسبب الفراغات الكبيرة أمامه داخل الملعب. هكذا يلخص "زونال ماركينج" مشاكل حامل لقب الدوري الإنجليزي، وكأنه يقول بصوت واضح، أين الـAnchor Man.

الرأي الآخر
انتشر دور هذا اللاعب بقوة في فترة التسعينات، ارتكاز دفاعي وظيفته قطع الكرات وبناء أول حائط صد، والآخر هجومي يقوم بصناعة اللعب وتوزيع الكرات، وأفضل نموذج لذلك، ميكاليلي و زيدان في منتخب فرنسا، سيميوني و فيرون في منتخب التانجو. أو فيما يعرف بالرجل العادي + الرجل الخارق، لذلك ارتاح اللاعب الدفاعي بقوة في حضرة صانع اللعب المهاري، وأصبحت وظيفته الأولى والأخيرة الحصول على الكرة وإيصالها إلى الزميل.

في مونديال 2006، حصلت ايطاليا على الذهب العالمي، وعاد الفضل إلى تعاون جاتوسو وبيرلو في المنتصف. جينارو قاطع للكرات ليس أكثر ولا أقل، عندما يخطف الكرة لا يفعل بها شيء، ينظر الي بيرلو لكي ينقذه. يقول الايطالي الشرس أنه عندما يشاهد بيرلو يلعب، يشعر وكأنه من كوكب اخر، وبالتالي كانت المهمة أسهل بمراحل، لأن الريجستا يعرف أين ومتى يرمي الهدايا إلى الأمام.

التخصص في اللعبة قتل الكثير من التخيل والنزعات الفردية، وصارت الكرة الحديثة تدخل أكثر في حيز المهتمين بأدق التفاصيل داخل المستطيل، لذلك تعقدت المهام وأصبحت أكثر صعوبة بين اللاعبين، ولم يعد أمام لاعب الارتكاز مجرد قطع الكرات وتوصيلها للأمام، لذلك زادت الانتقادات حول هذه النوعية من لاعبي الارتكاز، لأنها تسبب حالة بطء كبيرة في نقل الكرات من الخلف إلى الأمام، وليكن دي يونج خير مثال، فاللاعب يمتاز بكل المزايا الدفاعية المتاحة وغير المتاحة، لكنه يؤثر بالسلب على نسق فريق ميلان، وقدرته على التحكم في مجريات اللعب.

رقمياً، من خلال إحصائيات الهولندي في الكالتشو لهذا الموسم، فإنه قام بعدد تمريرات يصل إلى 912 تمريرة خلال 18 مباراة، أي بواقع حوالي 50 تمريرة خلال المباراة، وهذا الرقم لا يعتبر كبير خصوصاً مع زيادة نسبة لاعبي الارتكاز الممررين، كبوسكيتس، كروس، مودريتش، كاريك، ماتيتش، فيراتي، والبقية.

وعلى مستوى الفرص وصناعة اللعب، فإن دي يونج ساهم فقط في ست كرات خطيرة، وبالتالي يعتبر مجهوده الهجومي أقل بكثير من أدائه الدفاعي، وبالتالي فإن لعبة التحولات من الدفاع إلى الهجوم، وعملية تجهيز الهجمات من الخلف، تصبح أمور صعبة على النادي اللومباردي، لذلك أصبحت الحاجة ماسة إلى لاعب آخر بجوار هذه النوعية من الارتكازات.

دلالات