"6 إبريل" والتوافق الوطني في مصر
استبشرت القوى الثورية والسياسية المصرية الرافضة للانقلاب خيراً بالمبادرة الوطنية التي أطلقتها حركة "6 إبريل"، أوائل يناير/كانون الثاني الجاري، والتي تدعو فيها إلى الاصطفاف الوطني قبل الذكرى الرابعة لثورة يناير، مع اعتراف الجميع بالخطأ. ومن بين المؤيدين، بل والمرحبين بالفكرة، جماعة "الإخوان المسلمين" وحزبها "الحرية والعدالة"، فضلا عن قوى أخرى، على اعتبار أن الدعوة إلى الوحدة والاصطفاف الوطني هي السبيل الوحيد لمواجهة أي انقلاب قوي، مدعوم إقليميا ودوليا.
لكن، بتأمل هذه المبادرة، وما احتوته من أسس خمسة لعملية الاصطفاف، يلاحظ أنها إعادة تكرار للمبادرة التي أطلقتها الحركة، في مثل هذا التوقيت قبل الذكرى الثالثة العام الماضي. ولم يتم عليها أي تطوير أو تحديث، لا سيما ما يتعلق بالموقف من النظام الانقلابي، سواء الذي كان يمثله عدلي منصور حينها، أو يمثله عبد الفتاح السيسي الذي تم انتخابه بعد ذلك، على الرغم من أن هذه نقطة مفصلية وجوهرية، كان ينبغي تضمينها في المبادرة. لا أدري هل هذا مقصود من الحركة أم هو نظام استسهال وإعادة طرح المبادرات القديمة، من دون أي تعديل أو تنقيح، على الرغم من حدوث تغييرات جوهرية في المشهد الداخلي، أبرزها تولي السيسي الرئاسة.
وثاني الملاحظات أن المبادرة موجهة للقوى الشبابية "كمنفّذ" وللشعب "كمراقب"، من دون الحديث عن القوى السياسية الثورية الأخرى، كـ "الإخوان المسلمين" وأيمن نور وغيرهما. وكأن هناك فرزاً في الخطاب، على الرغم من حديث المبادرة، وتأكيدها على الوفاق الوطني، ما يعني أنها تحمل تناقضاً واضحاً، أكده مقال لرئيس حركة "6 إبريل"، أحمد ماهر، بعد ذلك.
وثالثاً، تحدثت المبادرة عن ضرورة وجود بنود إلزامية لوقف العنف المتبادل، وهي نقطة خطيرة جداً، لأنها لم توضح من هو الطرف الثاني الذي يبادل داخلية وجيش الانقلاب العنف. لكن، جاء مقال أحمد ماهر في موقع "مصر العربية" يوم 6 يناير/كانون الثاني الجاري، بعد إطلاق المبادرة، واضحاً وكاشفاً عن الغموض الموجود فيها، حيث كتب في مقاله "متى يدركون (أي الإخوان) أننا أصبحنا على يقين بأنه لا فارق جوهرياً بين الإخوان وداعش والقاعدة وولاية الفقيه في إيران. الاختلاف فقط في الأسلوب والتوقيت وترتيب الخطوات، لكن الجوهر والهدف العام واحد".
ولعل هذا هو جوهر المشكلة، فكيف بحركة ترغب في تحقيق الاصطفاف الوطني تتهم خصومها بالعنف وعدم وجود فروق بينهم وبين داعش أو ولاية الفقيه. ومعنى هذا أن الخلاف بين هذه الحركة والإخوان ليس بسبب عودة مرسي، أو الإطاحة بالسيسي، بل إنه خلاف جوهري يتعلق باستخدام العنف من عدمه.. وحقيقة، فإن المرء يصدمه ما احتواه المقال الذي جاء بعنوان "هل من الممكن أن نثق في الإخوان مرة أخرى؟" إذ يكشف التحليل السياسي لمفرداته عن عدة أمور، أولها إما عدم وجود وعي ونضج سياسي لدى مؤسس الحركة الذي يدعو في مبادرة حركته إلى لمّ الشمل والاصطفاف الوطني، ويتضح ذلك في ربطه بين "الإخوان" وداعش والقاعدة ووضعها في سلة واحدة، على الرغم من الفروق الجوهرية بينها، خصوصاً في ما يتعلق بالموقف من النظم الحاكمة "أو العدو القريب وفق مفاهيم القاعدة وداعش". أو عدم وجود فقه سياسي، بمعنى أن من يسعى إلى لغة المصالحة، لا بد أن يستخدم مفردات سياسية تجمع ولا تفرّق، تتحدث عن القادم وتترك الماضي. لكن، عندما تأتي مقدمة المقال كالتالي "لا أعتقد أنه ممكن، على الأقل لن يكون سهلاً، وبما أراه وأسمعه ربما يكون مستحيلاً"، في إشارة إلى الثقة في "الإخوان"، ثم يستطرد ماهر، فيقول ".. ورغم غدر الإخوان في 2011.. فإننا نعتبرهم هم والعسكر وجهين لعملة واحدة، ولا نرى فروقاً كبيرة". وأكثر من ذلك، كان أحمد ماهر واضحاً في مقاله في الحديث عن الموقف من محمد مرسي الذي تهكم عليه بأنه "الملاك البريء"، في حين لم يتحدث بالجرأة والسخرية عن السيسي الذي وضعه في السجن، بسبب قانون عدلي منصور الذي هو صنيعة السيسي.
إذن، جاء مقال ماهر ليوضح حقيقة مبادرتهم التي استبشر الجميع بها خيراً، بمن فيهم الإخوان المسلمون، فالرجل وحركته لم ينسيا ما فعله "الإخوان" فقط، من دون حديث عما اقترفته حركته أو قادة العسكر الانقلابيون أو غيرهم، بل طالب "الإخوان" بمراجعات خاصة بموقفهم من العنف، بالتوازي مع مراجعات فكرية، من دون أن يقدم، هو وحركته، على ذلك. بل لم يوضح ما هو الفكر السياسي لحركة "6 إبريل"، وهل ستتحول إلى حزب سياسي، يسعى إلى الوصول إلى السلطة أو المشاركة فيها وفق مفهوم الحزب، أم سيظلون ثوريين إلى الأبد. ولم يوضح ماهر كيف سيكون هناك اصطفاف وطني، قبل 25 يناير، فيما مقاله إقصائي. والحديث هنا ليس دفاعا عن "الإخوان"، لكنه حديث الواقع السياسي، فإذا كان من غير المقبول عند بعضهم تصدر "الإخوان" المشهد الثوري، على الرغم من أنهم، بلغة الأرقام، أكثر الناس تضحية منذ الانقلاب وحتى تاريخه. لكن، من غير المنطقي استبعادهم من المشهد، وهم أقوى فصيل سياسي، باعتراف الانقلابيين أنفسهم.
وبالتالي، وما لم تراجع حركة "6 إبريل" ورئيسها هذا الخطاب، فمن المتوقع أن تكون الذكرى الرابعة لثورة يناير هزيلة، بسبب الانقسام الثوري. ولعل استعادة ما حدث للحركة، وغيرها من الحركات الشبابية، على يد قوات الأمن في ضواحي ميدان التحرير، بعد تبرئة حسني مبارك قبل شهرين، خير دليل على ذلك.
لذا فالسؤال موجه لـ "6 إبريل" .. هل تستطيعون تحريك المشهد الثوري وإسقاط العسكر من دون الإخوان؟.. وهل أنتم بالفعل ترغبون في تحقيق الاصطفاف الوطني... أم هو مشروط بإقصاء الإخوان؟