مع اقتراب الذكرى الثامنة للثورة التونسية (14 كانون الثاني/ يناير)، تتوالى الفعاليات الثقافية التي تتمحور حولها في تونس. ومع المعارض التشكيلية والعروض الموسيقية أو السينمائية، وهي الأشكال المألوفة لمناسبات كهذه، نلاحظ هذا العام التفاتاً أكبر لمسألة التوثيق، فبعد الإعلان عن اقتراب إطلاق "متحف الثورة" في مدينة سيدي بوزيد التي انطلقت منها الأحداث في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010، أعلن "متحف باردو" في تونس العاصمة عن إطلاق معرض بعنوان: "14 غير درج" (14 إلا خمس دقائق بالعامية التونسية) سيستمر من منتصف الشهر الجاري حتى 31 آذار/ مارس المقبل، ويقدّم أرشيفات الثورة التونسية في محاولة لإعادة تركيب مسارها.
توارد هذه المبادرات ربما يشير إلى تبلور شعور عام بضرورة توثيق أحداث الثورة، وبناء سردية وطنية حولها، وخصوصاً أن مجريات الانتفاضة الشعبية قد عَرفت الكثير من القراءات المتنافرة في السنوات الأخيرة بسبب التنازع السياسي الذي تلاها، وخصوصاً أيضاً أن الطبقة السياسية التي تتزعّم المشهد الآن، سواء في التشكيل الحكومي أو في المعارضة، باتت تعتبر حدث الثورة المصدر الرئيسي للشرعية السياسية اليوم.
من هنا، فإن بناء هذه السردية حول الثورة التونسية لا يخلو من بُعدِ إشكالي، وهو ما يظهر مثلاً في كون معرض "14 غير درج" قد أشرف عليه، إضافة إلى "متحف باردو" وهو تحت سلطة وزارة الثقافة مباشرة، ائتلاف من منظّمات من المجتمع المدني تكفّلت منذ فترة بجمع مكوّنات الرصيد الرقمي والتوثيقي للثورة التّونسيّة وأرشفته وحفظه.
سيحاول المعرض تركيب صورة الأحداث زمنياً بحيث يكون لزائره فرصة مشاهدة تطوّرات ما حدث وكأنه يعيشها انطلاقاً من نقطة بداية الحراك الاحتجاجي، مع حادثة حرق محمد البوعزيزي لنفسه، إلى يوم انسحاب زين العابدين بن علي من الحكم والفرار خارج البلاد.
وتقوم مادة المعرض أساساً على صور فوتوغرافية وفيديوهات وشهادات تُرافق تطوّر الخط الزمني للأحداث، كما سيجري تقديم مواد نصية بعضها تعليقات فيسبوكية على الأحداث إضافة إلى نصوص، بين مقالات وقصائد وتوثيق للشعارات التي رُفعت خلال المظاهرات، خصوصاً مع بلوغها زخمها النهائي في الأسبوع الثاني من يناير 2011.
حين نتساءل لماذا تتعدّد اليوم في تونس المشاريع التي تشتغل على أرشيف الثورة، سنجد في البداية ذلك الشعور العام بضرورة حفظ هذا الحدث باعتباره ذاكرة جمعية ومنعطفاً تاريخياً، ومن وراء ذلك ربما تتخفّى محاولات لفرض قراءة ومن ثمّ استثمارها. من هنا، سيكون التساؤل المحوري الذي يواجه جهوداً كهذه: أين هي من الانتظارات الشعبية ومن المصداقية التاريخية، وهل ستؤثّر رهانات الحاضر في كيفية إعادة تركيب الماضي؟ فمن دروس علم التاريخ أن الذاكرة، الجمعية بالخصوص، لها تلاعباتها وحساباتها.