ما زال الأمازيغ في الجزائر يحرصون على قيم التكافل، أو ما يطلقون عليه تسمية "الوزيعة". خلالها، يذبحون الثيران ويوزّعون لحومها على الجميع
يقدّس المجتمع الأمازيغي حياة الجماعة، حتى أنه يورّثها صغاره. وأكبر عقاب يمكن أن يتعرّض له الفرد الأمازيغي هو أن تنبذه الجماعة وتتبرّأ منه. يتحقّق ذلك حين ترفع يدها عنه وتدعو عليه في المسجد، فيُطلق عليه لقب "المسخوط" ولا يقبل أي كان بمرافقته أو الزواج منه.
هذه الروح المتجذّرة في المجتمعات الفلاحية جعلت السلطة السياسية في الجزائر، خلال المشاكل التي تشهدها المناطق الأمازيغية، تزهد في التفاوض مع الأحزاب والهيئات والجمعيات لعجزها عن حلّها. وتقصد لجانٌ القرى في الأرياف والأحياء السكنية في المدن، والتي تسمى "ثاجماعت" بالأمازيغية، لأنها صاحبة سلطة مباشرة على الأفراد.
تضمّ "ثاجماعت" عقلاء من الشباب والشيوخ، وتفصل في مختلف القضايا المتعلقة بالسكان، على غرار النفايات وتحديد قيمة مهر العروس والمشاركة في الانتخابات أو عدمها وفرض غرامات مالية تسمّى "الخطيّة" على كل من يخالف قراراتها وغيرها. كذلك، تضع قائمة بالفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة للتكفّل بهم في المناسبات الدينية والاجتماعية.
وتأتي الوزيعة في مقدّمة مظاهر التكافل الاجتماعي في القرى الأمازيغية التي قد يهجرها الجيل الجديد إلى المدن للدراسة أو العمل. لكنّها لا تخلو أبداً، إذ يبقى أفراد من كل عائلة في القرية، للتكفل بزيتونها وخضارها وفاكهتها ومواشيها وأرضها. وعادة ما تستقطب الجميع في الأعياد الدينية والمناسبات القومية، مثل رأس السنة الأمازيغية في الثاني عشر من شهر يناير/ كانون الثاني.
و"الوزيعة" أو "ثمشرط" هي أن تتولى "ثاجماعت" جمع المال من السكان، كلّ بحسب قدرته، لشراء رؤوس من الأغنام أو الماعز أو الأبقار أو الثيران، وذبحها في طقس يحضره الجميع، بما في ذلك أبناء القرية المقيمون خارجها، ثم توزيع لحمها بالتساوي على الأسر، ليكون اللحم على الموائد جميعها، بغض النظر عن مستواها الاجتماعي. يعود هذا الطقس إلى ما قبل الإسلام. وكان الأمازيغي من خلال الذبائح، يطلب أن تمطر السماء. ويُسمّى إله المطر في الأمازيغية "أنزار".
اقــرأ أيضاً
يقدّس المجتمع الأمازيغي حياة الجماعة، حتى أنه يورّثها صغاره. وأكبر عقاب يمكن أن يتعرّض له الفرد الأمازيغي هو أن تنبذه الجماعة وتتبرّأ منه. يتحقّق ذلك حين ترفع يدها عنه وتدعو عليه في المسجد، فيُطلق عليه لقب "المسخوط" ولا يقبل أي كان بمرافقته أو الزواج منه.
هذه الروح المتجذّرة في المجتمعات الفلاحية جعلت السلطة السياسية في الجزائر، خلال المشاكل التي تشهدها المناطق الأمازيغية، تزهد في التفاوض مع الأحزاب والهيئات والجمعيات لعجزها عن حلّها. وتقصد لجانٌ القرى في الأرياف والأحياء السكنية في المدن، والتي تسمى "ثاجماعت" بالأمازيغية، لأنها صاحبة سلطة مباشرة على الأفراد.
تضمّ "ثاجماعت" عقلاء من الشباب والشيوخ، وتفصل في مختلف القضايا المتعلقة بالسكان، على غرار النفايات وتحديد قيمة مهر العروس والمشاركة في الانتخابات أو عدمها وفرض غرامات مالية تسمّى "الخطيّة" على كل من يخالف قراراتها وغيرها. كذلك، تضع قائمة بالفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة للتكفّل بهم في المناسبات الدينية والاجتماعية.
وتأتي الوزيعة في مقدّمة مظاهر التكافل الاجتماعي في القرى الأمازيغية التي قد يهجرها الجيل الجديد إلى المدن للدراسة أو العمل. لكنّها لا تخلو أبداً، إذ يبقى أفراد من كل عائلة في القرية، للتكفل بزيتونها وخضارها وفاكهتها ومواشيها وأرضها. وعادة ما تستقطب الجميع في الأعياد الدينية والمناسبات القومية، مثل رأس السنة الأمازيغية في الثاني عشر من شهر يناير/ كانون الثاني.
و"الوزيعة" أو "ثمشرط" هي أن تتولى "ثاجماعت" جمع المال من السكان، كلّ بحسب قدرته، لشراء رؤوس من الأغنام أو الماعز أو الأبقار أو الثيران، وذبحها في طقس يحضره الجميع، بما في ذلك أبناء القرية المقيمون خارجها، ثم توزيع لحمها بالتساوي على الأسر، ليكون اللحم على الموائد جميعها، بغض النظر عن مستواها الاجتماعي. يعود هذا الطقس إلى ما قبل الإسلام. وكان الأمازيغي من خلال الذبائح، يطلب أن تمطر السماء. ويُسمّى إله المطر في الأمازيغية "أنزار".
يرى الناشط، عبد الرؤوف تبوكويوت، وهو عضو في الجمعية الخيرية "الوفاء بالعهد"، أنّ عادة "الوزيعة" تعكس الروح الحية في المجتمع المدني الذي يرعى قيم الخير، من غير أن يعتمد على المؤسسات الحكومية. يقول إنّها "طقس حيّ يساهم في تكريس قيم المحبة والتآزر بين أفراد المجتمع الواحد، وهي مبادرة تضامنية فعالة"، مطالباً وزارة التضامن الوطني باعتمادها رسمياً في برامجها التي باتت أقرب إلى الصدقة منها إلى التضامن. كذلك، يطالب وزارة الثقافة بتصنيفها ضمن التراث الوطني، وتكريسها من وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، وذلك من خلال الدعوة إليها في المساجد.
يضيف تبوكويوت لـ "العربي الجديد" أنّ ثمّة مناطق في الجزائر فقد فيها المجتمع المدني روحه تماماً، وبات مبرمجاً بسلبية، الأمر الذي يهدد وجوده. ويتابع: "خلال عملنا الخيري، نواجه يومياً تهرّب السكان من دفع اشتراكاتهم لتنظيف سلالم العمارات. ينتظر الناس كلّ شيء من البلدية، منها تصليح المصابيح في أروقتهم". ويشير إلى أن نشر ثقافة "الوزيعة من شأنه إعادة الروح الجماعية إلى الجزائريّين".
من جهته، يقول الفنان وليد بورزاح في قرية لمروج في بلدية ذراع قبيلة (شمال سطيف) إنّ "كبار القرية قرروا إقامة الوزيعة بمناسبة عيد الفطر، وكلّفوا شخصاً بجمع المال من السكان. جمعوا 20 مليون دينار جزائري (نحو 20 ألف دولار أميركي)، ثم كلفوا أحداً بشراء ثيران من السوق. اشتروا ثمانية رؤوس". يتابع إنّ العجول ذبحت وسلخت وعلّقت ليلة العيد، ثم قطّعت صبيحته إلى حصص متساوية بحسب عدد العائلات في القرية، ووضعت فوق أغطية بلاستيكية نظيفة في ساحة عامة بحضور الأطفال والشباب والكهول والشيوخ. يُذكر أنّ ذلك يترافق مع زغاريد النسوة وأدعية الحجّاج والصالحين وحفظة القرآن. ويلفت بورزاح إلى أنّ "الجميع كان مساهماً في ذلك، وكانت اللحظة التي انتقلت فيها الحصص إلى أصحابها ذات عمق إنساني مؤثر". ويسأل: "كم حزب ومذهب وفلسفة ونقابة في العالم ناضلت من أجل انتفاء الفوارق الاجتماعية بين الناس، ولم تفلح إلا في نطاق ضيق؟ يساوي طقس الوزيعة بين الفقير والغني، وبين المرأة والرجل، وبين الكبير والأصغر سناً. ببساطة، يساوي بين الجميع. هذا طقس جدير أن يعمل أكثر من طرف في الجزائر على جعله طقساً وطنياً غير محصور في بقع محددة".
اقــرأ أيضاً
يضيف تبوكويوت لـ "العربي الجديد" أنّ ثمّة مناطق في الجزائر فقد فيها المجتمع المدني روحه تماماً، وبات مبرمجاً بسلبية، الأمر الذي يهدد وجوده. ويتابع: "خلال عملنا الخيري، نواجه يومياً تهرّب السكان من دفع اشتراكاتهم لتنظيف سلالم العمارات. ينتظر الناس كلّ شيء من البلدية، منها تصليح المصابيح في أروقتهم". ويشير إلى أن نشر ثقافة "الوزيعة من شأنه إعادة الروح الجماعية إلى الجزائريّين".
من جهته، يقول الفنان وليد بورزاح في قرية لمروج في بلدية ذراع قبيلة (شمال سطيف) إنّ "كبار القرية قرروا إقامة الوزيعة بمناسبة عيد الفطر، وكلّفوا شخصاً بجمع المال من السكان. جمعوا 20 مليون دينار جزائري (نحو 20 ألف دولار أميركي)، ثم كلفوا أحداً بشراء ثيران من السوق. اشتروا ثمانية رؤوس". يتابع إنّ العجول ذبحت وسلخت وعلّقت ليلة العيد، ثم قطّعت صبيحته إلى حصص متساوية بحسب عدد العائلات في القرية، ووضعت فوق أغطية بلاستيكية نظيفة في ساحة عامة بحضور الأطفال والشباب والكهول والشيوخ. يُذكر أنّ ذلك يترافق مع زغاريد النسوة وأدعية الحجّاج والصالحين وحفظة القرآن. ويلفت بورزاح إلى أنّ "الجميع كان مساهماً في ذلك، وكانت اللحظة التي انتقلت فيها الحصص إلى أصحابها ذات عمق إنساني مؤثر". ويسأل: "كم حزب ومذهب وفلسفة ونقابة في العالم ناضلت من أجل انتفاء الفوارق الاجتماعية بين الناس، ولم تفلح إلا في نطاق ضيق؟ يساوي طقس الوزيعة بين الفقير والغني، وبين المرأة والرجل، وبين الكبير والأصغر سناً. ببساطة، يساوي بين الجميع. هذا طقس جدير أن يعمل أكثر من طرف في الجزائر على جعله طقساً وطنياً غير محصور في بقع محددة".