شهر تقريباً يفصل قضية جزيرتي تيران وصنافير عن نهايتها في ساحة مجلس الدولة المصري، إذ ستصدر المحكمة الإدارية العليا حكماً سيكون، وفقاً للمصادر القضائية، حاسماً لتبعية الجزيرتين في 16 يناير/ كانون الثاني المقبل، وذلك في ظل استمرار سوء العلاقات بين القاهرة والرياض ووقف تنفيذ اتفاق توريد البترول السعودي إلى مصر للشهر الرابع على التوالي. ومن الناحية القانونية، يعتبر الحكم المنتظر من المحكمة الإدارية العليا الأكثر أهمية بين الأحكام المنتظرة في هذه القضية، فالإدارية العليا هي المحكمة المختصة، وفقاً للقانون، بالفصل في الطعن الذي أقامته الحكومة على حكم القضاء الإداري (أول درجة) ببطلان التنازل عن الجزيرتين، والذي مثل وقت صدوره صفعة قوية لنظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي.
وترجح المصادر القضائية، بنسبة كبيرة، صدور حكم يؤيد حكم أول درجة، أي ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، والإبقاء على الجزيرتين تحت السيادة المصرية. أما النسبة الأقل، في توقعات المصادر، فهي أن يصدر حكم بإحالة القضية برمتها إلى لجنة من الخبراء القانونيين والسياسيين والجغرافيين والتاريخيين، لتحديد ما إذا كان قرار التنازل عن الجزيرتين صحيحاً من عدمه، وهذا ما كانت هيئة المفوضين أوصت به خلال النظر في القضية أمام محكمة أول درجة، باعتبار أن المستندات المتوفرة لا تحسم بذاتها المسألة. وتربط المصادر القضائية تحقق الاحتمال الثاني بـ"حدوث انفراجة كبيرة في الأزمة السياسية بين البلدين"، مضيفة "هذا أقصى ما يمكن للمحكمة الحكم به في صالح الحكومة، وهو أمر مشروط بمؤثرات سياسية معينة، لكن في كل الأحوال لن تقضي المحكمة في الجلسة المقبلة بأن الجزيرتين سعوديتان، أو بصحة قرار التنازل عنهما".
وعلى الرغم من سوء العلاقات السياسية بين السيسي والرياض، على خلفية مواقفه المؤيدة علناً للتوجهات الروسية في الملف السوري، وتواصله أمنياً واستخباراتياً مع نظام بشار الأسد، ما ترتب عليه انخفاض وتيرة التأييد الإعلامي للتنازل عن الجزيرتين وهجوم إعلاميين مؤيدين للنظام على السعودية، إلّا أن الحكومة المصرية لم تتقاعس في ساحة المحكمة عن التأكيد على سعودية جزيرتي تيران وصنافير. بل إن الحكومة المصرية قدمت، في ظل سوء العلاقات بين البلدين ووقف توريد البترول، للمحكمة الإدارية العليا عشرات المستندات التي تؤكد، من وجهة نظرها، صحة التنازل عن الجزيرتين، وأنهما كانتا سعوديتين، ومارست السعودية عليهما مظاهر سيادتها منذ الثلاثينيات من القرن الماضي، وأن تبعيتهما لمصر كانت بناءً على تنسيق مع السعودية بعد حرب فلسطين عام 1948، بل وإن الرياض أعلنت غير مرة أنها أوكلت للقاهرة إدارتهما كضمان لعروبة مضيق تيران وخليج العقبة، كمساندة استراتيجية لمصر في مواجهة إسرائيل.
وتفسر مصادر حكومية مرتبطة بهذا الملف تمسك الحكومة بـ"سعودية الجزيرتين" رغم سوء العلاقات بين البلدين، بأن "تأييد حكم أول درجة في جميع الأحوال ستكون له أضرار وخيمة على النظام السياسي، بغض النظر عن العلاقة المباشرة بالسعودية، إذ ستكون المحاكم قد فرضت رقابتها نهائياً على مسألة ترسيم الحدود البحرية، ما يسمح مستقبلاً بإلغاء اتفاقات أخرى وقعها، أو سيوقعها، السيسي مع قبرص واليونان تحديداً، كما ستكون المحاكم قد أخضعت لرقابتها أيضاً مسألة إبرام الاتفاقيات الدولية، ما قد يسمح بالطعن باتفاقيات هامة، كالاقتراض من روسيا لتمويل محطة الضبعة". والسبب الثاني لتمسك الحكومة بموقفها أن "تأييد حكم أول درجة سيكون قدحاً مباشراً في الذمة السياسية للسيسي، لدرجة احتمال توجيه اتهامات له بالخيانة السياسية والتفريط بأراضي الدولة، فضلاً عن مخالفة الدستور، ما قد يمثل خطراً عليه على الأمد الطويل بعد تركه الحكم، أو دعماً للمعارضين له خلال حكمه، وخصوصاً أن حكم أول درجة أفرط في انتقاد قرار توقيع الاتفاقية". أما السبب الثالث، بحسب المصادر الحكومية، فهو أن مصر ما زالت تراهن على إمكانية تغيير الموقف السعودي منها إذا تم حل مشكلة الجزيرتين، بغض النظر عن تغيّر الموقف من الملف السوري أو الخلاف بين رؤية البلدين لإمكانية التعاون مع قطر وتركيا والتيارات الإسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين. وتكشف المصادر، في هذا الإطار، أن "التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير كان جزءاً من اتفاق أكبر يتضمن ضخ مساعدات سعودية لمصر في مجالات عدة، ليس فقط بإنشاء جسر الملك سلمان بين البلدين مروراً بالجزيرتين، بل أيضاً إنشاء تجمعات سكنية وسياحية في جنوب سيناء، وزيادة الاستثمارات السعودية في السوق المصرية، فضلاً عن اتفاقية توريد البترول من شركة أرامكو، والتي توقفت خلال تداول القضية في ساحات المحاكم المصرية".
اقــرأ أيضاً
ويوضح مصدر دبلوماسي مصري أن سوء العلاقات السياسية بين البلدين حالياً لم يمنع تواصل مسؤولين مصريين عن هذا الملف مع السفير السعودي في القاهرة، أحمد قطان، وغيره من المسؤولين السعوديين، الذين أكدوا لهم ثبات موقف الحكومة ورغبتها في إلغاء حكم أول درجة "ليس فقط لمصلحة السعودية، بل أيضاً لصالح النظام المصري". ويصف المصدر هذه القضية بـ"الورطة الكبيرة لنظام السيسي"، مشيراً إلى أنه "سيخرج منها في كل الأحوال خاسراً، سواء بفقدان الدعم السعودي المعلق على تنفيذ اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، أو فاقداً لما تبقى له من شعبية إذا ما استطاعت الحكومة الإفلات من الحكم القضائي الصادر ضدها باستغلال ما بيدها من أوراق قانونية".
وما زالت الحكومة تحتفظ ببعض الأوراق القانونية التي تمكّنها من الالتفاف على الحكم المحتمل للإدارية العليا بـ"مصرية الجزيرتين". فالقضية ما زالت متداولة أمام محكمة الأمور المستعجلة، إذ سبق وأصدرت دائرة أول درجة فيها حكماً بوقف تنفيذ حكم القضاء الإداري ببطلان التنازل، والمؤشرات تدل على تأييد هذا الحكم في الاستئناف، نظراً لتحكم وزارة العدل بشكل كامل في هذه المحكمة واختيار قضاتها وتوزيع قضايا الرأي العام عليهم. ويسمح قانون المرافعات المصري بأن يطلب أي طرف صدر حكم قضائي ضده أن يقيم إشكالاً لوقف تنفيذه أمام محكمة الأمور المستعجلة، وهو ما قد تضطر له الحكومة بواسطتها، أو بواسطة أحد المواطنين المتعاونين معها، لوقف تنفيذ الحكم المحتمل للمحكمة الإدارية العليا، وخصوصاً أن السيسي لم يصدر حتى الآن قانوناً وافق عليه مجلس النواب في أغسطس/ آب الماضي يمنع إقامة إشكالات وقف تنفيذ أحكام القضاء الإداري أمام الأمور المستعجلة، ما يعني استمرار الوضع القائم الذي تقره المحكمة الأخيرة. وأمام الحكومة أيضاً المحكمة الدستورية، التي ما زالت تنظر في منازعة التنفيذ التي أقامتها الحكومة لإلغاء حكم أول درجة بشأن الجزيرتين، والتي تزعم أن الحكم مخالف لأحكام سابقة أصدرتها المحكمة الدستورية بشأن ضوابط تصدي القضاء لأعمال السيادة. ويمكن للحكومة المصرية، حال صدور حكم الإدارية العليا، إرجاء إعلان فسخ اتفاقها مع السعودية بواسطة الطعن عليه أيضاً أمام المحكمة الدستورية، وهو ما سيكسبها وقتاً إضافياً للتفاوض مع الرياض حول طريقة الحل النهائي لعلاقتهما المتأزمة، ثم البحث عن مخرج قانوني آخر من الأزمة، حتى إذا تطلب الأمر عرض الاتفاقية على البرلمان مباشرة، لتصبح بعدها جميع الأحكام الصادرة عن القضاء الإداري والإدارية العليا والأمور المستعجلة في حكم المنعدمة، وتصبح المحكمة الدستورية هي المختصة وحدها بالنظر في الطعون على قرار البرلمان بإقرار الاتفاقية.
وترجح المصادر القضائية، بنسبة كبيرة، صدور حكم يؤيد حكم أول درجة، أي ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، والإبقاء على الجزيرتين تحت السيادة المصرية. أما النسبة الأقل، في توقعات المصادر، فهي أن يصدر حكم بإحالة القضية برمتها إلى لجنة من الخبراء القانونيين والسياسيين والجغرافيين والتاريخيين، لتحديد ما إذا كان قرار التنازل عن الجزيرتين صحيحاً من عدمه، وهذا ما كانت هيئة المفوضين أوصت به خلال النظر في القضية أمام محكمة أول درجة، باعتبار أن المستندات المتوفرة لا تحسم بذاتها المسألة. وتربط المصادر القضائية تحقق الاحتمال الثاني بـ"حدوث انفراجة كبيرة في الأزمة السياسية بين البلدين"، مضيفة "هذا أقصى ما يمكن للمحكمة الحكم به في صالح الحكومة، وهو أمر مشروط بمؤثرات سياسية معينة، لكن في كل الأحوال لن تقضي المحكمة في الجلسة المقبلة بأن الجزيرتين سعوديتان، أو بصحة قرار التنازل عنهما".
ويوضح مصدر دبلوماسي مصري أن سوء العلاقات السياسية بين البلدين حالياً لم يمنع تواصل مسؤولين مصريين عن هذا الملف مع السفير السعودي في القاهرة، أحمد قطان، وغيره من المسؤولين السعوديين، الذين أكدوا لهم ثبات موقف الحكومة ورغبتها في إلغاء حكم أول درجة "ليس فقط لمصلحة السعودية، بل أيضاً لصالح النظام المصري". ويصف المصدر هذه القضية بـ"الورطة الكبيرة لنظام السيسي"، مشيراً إلى أنه "سيخرج منها في كل الأحوال خاسراً، سواء بفقدان الدعم السعودي المعلق على تنفيذ اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، أو فاقداً لما تبقى له من شعبية إذا ما استطاعت الحكومة الإفلات من الحكم القضائي الصادر ضدها باستغلال ما بيدها من أوراق قانونية".