ويؤكد الموقف الأميركي بشأن الوثائق، ومحاولته النفخ في الفائدة وفي حجم "الكشف الإسرائيلي" عن هذه الوثائق، توجه الرئيس الأميركي حتى قبل الثاني عشر من الشهر الحالي لإعلان انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران والاتجاه نحو مفاوضات لتعديل الاتفاق وتصحيحه بما يشمل أيضاً المشروع الصاروخي الإيراني.
وأعلن ترامب، أمس، أن الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران لن يضرّ بالمحادثات مع كوريا الشمالية. ويشير هذا إلى أن ترامب على ما يبدو اتخذ قراره نهائياً بشأن الانسحاب من الاتفاق الدولي مع إيران، فيما توفر الوثائق التي كشف عنها نتنياهو في مؤتمره الصحافي عاملاً مساعداً له في اتخاذ القرار، ولو على المستوى الإعلامي وعلى صعيد إقناع الجهات المهنية في الإدارة الأميركية.
ويتضح أنه بالرغم من التشكيك الإسرائيلي الإعلامي في تقديم وتوفير الوثائق معلومات جديدة، فإن الهدف الأهم الذي حاول نتنياهو ويسعى لتحقيقه ليس فقط "تسجيل نقاط" في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وإنما وبالأساس تحقيق اختراق إسرائيلي للجهود الدولية في الملف الإيراني. وبعدما كانت إسرائيل خلال الفترة التي سبقت التوصل إلى الاتفاق مع إيران عام 2015 خارج الصورة كلياً، فإنها تعود اليوم إلى قلب هذه الجهود، خصوصاً في سياق طرح المطلب الإسرائيلي الرسمي المتعلق بوجوب أن يشمل الاتفاق النووي مع إيران فرض قيود على المشروع الصاروخي الإيراني، ومنع إيران من مواصلة تطوير صواريخ قادرة على الوصول إلى قلب تل أبيب وحمل رؤوس متفجرة ورؤوس نووية قادرة على أن تطاول كلاً من الرياض وموسكو وتل أبيب، بحسب ما ادعى نتنياهو، مساء الاثنين. وفي ذلك محاولة إضافية لصب الزيت على نار التوتر السعودي ــ الإيراني، وربما محاولة لتنبيه روسيا من خطر تحالفها مع إيران، خصوصاً في الملف السوري، علماً أن موسكو تبدو حتى اللحظة من أكثر المتمسكين بالاتفاق النووي من دون تعديل.
ومع أن فرنسا ردت، أمس، على ما قدمه نتنياهو في مؤتمره الصحافي بقولها إن هذه المعطيات تؤكد الحاجة للإبقاء على الاتفاق مع إيران وجعله للمدى الطويل، فإن المحور المشترك الذي أفرزه المؤتمر، بين نتنياهو وترامب، يجعل من الدول الأوروبية تعيد النظر في كل حساباتها واستعداداتها لمواجهة إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي.
ويبدو أن من شأن "الأسبوع الإسرائيلي" الذي يأمل نتنياهو بتحقيقه على صعيد الدعاية والحرب الإعلامية ضد إيران، أن يساهم في تحرك دولي ودبلوماسي قد يترجم إلى ضغوط على إيران للقبول بإدخال تعديلات على الاتفاق النووي، وهو ما ترفضه طهران. ويفسر هذا الأمر مسارعة نتنياهو إلى دعوة كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا إلى إيفاد أطقم من المهنيين لدراسة الوثائق التي يدعي نتنياهو أن الموساد الإسرائيلي تمكن من الاستيلاء عليها، وتوجيه دعوة مماثلة لكل من الصين وروسيا، بما يعكس محاولة إسرائيلية لضرب الجبهة الروسية الإيرانية الصينية، ومحاولة التأثير على مواقف كل من روسيا والصين لجهة القبول بإدخال تعديلات على الاتفاق النووي مع إيران.
لكن تبقى هناك جوانب إسرائيلية وإيرانية أخرى يمكن لها أن تتأثر من الكشف عن الاستيلاء على هذه المستندات. فمن الواضح أن هذه العملية في مراقبة المستودع الإيراني واقتحامه، تشكل، في حال كانت الادعاءات صحيحة، ضربة كبيرة لهيبة النظام الإيراني، خصوصاً الحرس الثوري الإيراني، الذي كان مكلفاً بحراسة هذه المستودعات وتأمين ما أطلق عليه نتنياهو مسمى "الأرشيف النووي الإيراني". وسيكون لهذه الضربة أثر في الحرب النفسية والإعلامية الدائرة بين إسرائيل وإيران، كما أنها تسجل انتصاراً إسرائيلياً معنوياً في ما يطلق عليه إسرائيلياً "المعركة بين الحروب" والتي تهدف، بحسب العقيدة القتالية لإسرائيل، إلى مواصلة النشاط الدائم لضرب وإضعاف العدو في الفترة الفاصلة بين حالة الانتظار أو الحرب السرية وبين المواجهة العسكرية المباشرة.
ويبدو أن اختيار التوقيت الحالي للكشف عن هذه الوثائق وعن العملية الإسرائيلية في قلب طهران، لم يكن عفوياً، إذ سبق لنتنياهو أن أبلغ ترامب بأن إسرائيل ستعرض مواد ومعلومات جديدة عن المشروع الإيراني، وبالتالي فإن اختيار هذا التوقيت جاء ليخدم ترامب داخلياً وعالمياً في الاتجاه نحو الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران.
أما إسرائيلياً، وبالرغم من سعي المعلقين والمحللين في الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية إلى التقليل من المعلومات والوثائق التي كشف عنها نتنياهو ونسب ذلك إلى دوافع حزبية داخلية لنتنياهو، إلا أن الأخير نجح بالرغم من كل ذلك في تحويل هذا الملف إلى رافعة قوية له، ستنعكس نتائجها في استطلاعات مقبلة يتوقع أن تشير إلى ارتفاع أسهمه في صفوف الناخبين الإسرائيليين باعتباره الوحيد القادر على مواجهة إيران وخطرها النووي، بما يكرسه مجدداً ليكون الأفضل والأنسب برأي الإسرائيليين لتولي منصب رئيس الحكومة.