ما زالت الحرب الأهلية اللبنانية موضوعاً أساسياً يشغل التشكيليين اللبنانيين من أجيال شهدت الحرب عياناً أو غادرت منذ أول رصاصة أو لم تشهد الحرب ولم تعش في لبنان طيلة سنواتها.
رغم ذلك يبدو أن كل لبناني ممسوس بهذه السنوات الدامية، مكث خلالها أم هاجر بسببها أم ولد وعاش بعيداً عنها.
من هنا، تكون مقاربة هذه الحرب فنياً مسألة ليست بالسهلة، إذ يمكن أن تزل قدم الفنان وتتحوّل هي نفسها إلى كليشيه تشكيلي مكرّر وأفكار بسيطة هنا وهناك تتسلّق على الألم والعنف، دون أن تكون قادرة على تقديم الجديد أو الصادم.
لكن ربما تكون تجربة فنانة الفوتوغرافيا اللبنانية البرازيلية لميا ماريا أبي اللمع، مثيرة للاهتمام ومؤثرة، وهي التجربة التي تحمل عنوان "واقعيات متصادمة"، بما هو واقع تستكشفه أبي اللمع في معرضها الذي يفتتح الثلاثاء في غاليري "تانيت" في بيروت.
تقول الفنانة في بيانها عن المعرض "بالطلب من النساء ارتداء الزي العسكري، فإنني أحاول أن أظهر إلى أي حد تأثر المجتمع المدني بعقود من الوحشية. ضحايا مصابة بصدمات نفسية من العدائية المتواصلة، كان على هذه النساء التعامل مع واقع الحرب لعقود".
وتضيف أبي اللمع "مثل الغرغرينا اجتاح العنف المساحات الحميمة وطارد كل جانب من حيواتهن. رغم أنهن لم يشاركن أبداً في قتال مسلح، إلا أن كل هاته النساء حملن داخهلن صدى أصوات النيران التي لم تنقطع".
اختارت أبي اللمع موديلاً لصورها نساء في عمر واحد تقريباً، يوحي بأنهن كن في عزّ الشباب حين اندلعت الحرب.
سنرى إيفون جالسة بالزي العسكري الكامل على مقعد في ليلة هادئة بجانب صور يبدو أن أصحابها ماتوا أو فقدوا. أما مي فيتهدل كتفاها وتنظر بسذاجة إلى الكاميرا، وتبدو واهنة حتى وهي في ملابس الصاعقة، لدرجة أن التناقض يثير الضحك، ماذا تفعل امرأة مثل مي في ثياب الصاعقة؟
هناك صورة بعنوان "عائلة عودة" وفيها ثلاث نساء الأم والابنة الشابة وتلك المراهقة، وهذه لا ترتدي ملابس عسكرية كوالدتها وأختها، بل ثوباً أسود كأننا في غرفة عزاء كل من فيها صامت ومصدوم.
هناك عائلة أخرى، من الجدة والأم والحفيدة وابنة الحفيدة، وهي من أكثر الصور تأثيراً إذ نشعر أننا أمام ضحايا ألبسوا لباس العدو، السيدة ليلى، التي تظهر بكامل أرستقراطيتها تجلس على حافة طاولة جانبية وخلفها المرآة.
نينا ومارغو ومنى وشخصيات أخرى كثيرة، في صور قاسية من دون استخدام أية مفردة بصرية للقسوة، فوتوغرافيا مكتفية بزي الصاعقة والملامح صامتة، في أجواء تشعرنا أن الصور تنتمي إلى الحرب العالمية الثانية.
وأمام كل هذا يحضر البيت اللبناني التقليدي والعريق بكل أناقته وعراقته وأبوابه العالية ونباتاته وتفاصيله الصغيرة والمرتبة، وفي وسطه امرأة واقفة كأنها درع حزين لجندي ميت، لم نعرف إن كان مات منتصراً أم مهزوماً.