نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، في عدد اليوم الثلاثاء، تصريحات روسية من أعلى المستويات القيادية فضلاً عن محللين سياسيين، مفادها بأن قرار الانسحاب الروسي من سورية، اتخذ بهدف زيادة فرص التسوية السياسية في ذلك البلد، كما يأتي لتوضيح موقف موسكو الحقيقي بأنها لا ترغب بتحمل المسؤولية الناجمة عن سلوك الرئيس السوري بشار الأسد.
ونقل مراسل الصحيفة الأميركية في موسكو عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوله في مكالمة مع الأسد بلهجة حازمة: "إن الوقت قد حان لأن تؤدي الدبلوماسية دورها".
كما نقلت الصحيفة عن المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، القول "إن الانسحاب من سورية يمكن اعتباره بمثابة رسالة من موسكو، بأن الدعم الروسي للأسد لم يعد بلا حدود". ولفت المتحدث الأنظار إلى أن "الأسد أصبح من الصعب الآن (بفضل التدخل الروسي) الإطاحة به بالقوة".
ويفهم من عبارة "الإطاحة به بالقوة"، أن موسكو لم تعد تمانع من إخراج الأسد من السلطة بالمفاوضات السلمية في إطار تسوية سياسية، ويزيد هذا المعنى احتمالاً أن المتحدث أشار إلى الإطاحة بالأسد كشخص ولم يقل "الإطاحة بالنظام".
وعلى الرغم من أن الصحيفة الأميركية نسبت إلى بوتين كذلك القول إن القوات الروسية قد أكملت مهمتها في سورية بنجاح وحققت تغييراً جذرياً في موازين القوى على الأرض، إلا أن الصحيفة أشارت إلى أن قرار الانسحاب اتخذه بوتين بصورة أحادية من دون أن يشاور الأسد في شأنه.
وفي مؤشر إضافي على تغير موقف بوتين من الأسد، أقر المتحدث باسم الكرملين، بأن التدخل الروسي لم يضع حداً لما أسماه بمشكلة "الإرهابيين"، وهي الصفة التي يطلقها الروس على معارضي الأسد عموماً.
ورأى محللون روس أن قرار الانسحاب الروسي من سورية في كل الأحول يأتي للضغط على الأسد ومستشاريه من أجل تخفيف التشدد أثناء مفاوضات التسوية، كما يأتي لتوضيح موقف موسكو الحقيقي بأنها لا ترغب بتحمل المسؤولية الناجمة عن سلوك الأسد. ومن بين أصحاب هذا الرأي الكاتب الروسي المختص في الشؤون العالمية، فيودور لوكيانوف، المعروف بقربه من رجال الكرملين.
ومثلما كان التدخل الروسي في سبتمبر/أيلول الماضي مفاجئاً للولايات المتحدة والعالم، فإن قرار الانسحاب جاء مفاجئاً كذلك. واختار بوتين لإعلانه توقيتاً قبل ساعات من مكالمة هاتفية محدد موعدها مسبقاً مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، كان الغرض منها وفقاً للبيت الأبيض مناقشة سبل وضع اتفاق وقف إطلاق النار موضع التنفيذ الكامل.
لكن حديث الرئيسين تكرس لاحقاً حول موضوع الانسحاب الروسي وإيجابياته على جهود التسوية. وخلال المكالمة، رحب أوباما بقرار بوتين، معرباً كذلك عن أمله بانخفاض مستوى أعمال العنف بين القوات الحكومية والمعارضة. لكنه أشار وفقاً لما أعلنه البيت الأبيض، إلى أن استمرار اختراق النظام السوري لوقف إطلاق النار من شأنه تهديد المفاوضات السياسية برمتها.
وكان البيت الأبيض، قد عمل في الأيام القليلة الماضية على تصعيد لهجة الانتقاد لموسكو عقب الإحباط الذي اعترى إدارة أوباما، كنتاج لشعورها بعدم رغبة روسيا أو عدم قدرتها على الضغط لإجبار قوات الأسد على الامتثال لاتفاق وقف إطلاق النار.
وطالب وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الرئيس الروسي خلال اتصال هاتفي أجراه معه مساء الأحد، أن يفرض سيطرته على حليفه في دمشق للإيفاء بالتزاماته.
وفي اليوم التالي، شدّدت واشنطن على أن دعمها لوقف إطلاق النار، لا يعني غض النظر عن الانتهاكات التي يتوجب إيقافها. كما عمد المسؤولون الأميركيون إلى تذكير موسكو وطهران في تصريحاتهم، بالمسؤولية الواقعة على عاتقيهما لحماية وقف إطلاق النار، وإجبار حليفهما في دمشق على الارتقاء بسلوكه لأن اللوم يقع على عاتق الروس والإيرانيين جراء عدم التزامه بتعهداته للمجتمع الدولي.
اقرأ أيضاً: روسيا تسحب قواتها من سورية وسط تكثيف الجهود الدبلوماسية