شدّدت الجلسة الثانية العلنية، التي عقدتها أمس الجمعة "هيئة الحقيقة والكرامة"، على الانتهاكات التي طاولت اليسار بالخصوص، والذي شهد عمليات قمع ومحاكمات طيلة العهدين الماضيين بتونس، خلال فترة حكم الحبيب بورقيبة والرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وعرضت شهادات عن ملفات بقيت إلى وقت قريب غامضة، ومجرد الحديث عن أصحابها يثير العديد من التساؤلات.
وتم استعراض ملف إيقاف المناضل التونسي اليساري، نبيل بركاتي، والذي أوقف في انتفاضة الخبز وعمره 26 سنة في العام 1987، ثم قُتل تحت التعذيب وألقي به في قناة لصرف المياه.
وقال شقيقه رضا في مداخلةٍ علنية لكشف الانتهاكات التي أدت إلى مقتل شقيقه، إن هذه الجلسة تأخرت كثيراً، وإن الانتقال الديمقراطي في تونس كان متعثراً. وأكد أن الجرح لن يندمل طالما لم يكشف عن التجاوزات، وبالتالي فإن أملهم يبقى في هيئة الحقيقة والكرامة لكشف الحقائق.
وظل ملف بركاتي من أبرز الملفات التي لفها الكثير من الغموض حول حقيقة مقتله تحت التعذيب.
وقال زعيم "حزب العمال الشيوعي" والناطق الرسمي باسم "الجبهة الشعبية"، حمة الهمامي، لـ"العربي الجديد" إنّ اليسار عاش فترات مهمة في تاريخ تونس، عرف خلالها عديد الانتهاكات ومنها أحداث 26 يناير/ كانون الثاني 1978، وأحداث 1984، مبيّناً أن الانتهاكات طاولت عدة نقابيين ومعارضين، وحتى أصحاب انتماءات فكرية وسياسية، وأن الاستبداد خاصة في عهد بن علي، لم يفرّق بين الأشخاص وظل يستهدف كل من يعارضه.
واعتبر الهمّامي، أن اليسار ظُلم منذ الخمسينات، فبعد استهداف اليوسفيين، تم شن حملات على اليسار وعلى الحركة الطلابية والنقابية والاتجاه الإسلامي، معتبراً أن التاريخ مليء بالتجاوزات والانتهاكات، وأن عصا الانتهاكات تؤلم اليساري والإسلامي، وأي شخص تطاوله وتنتهك كرامته.
وأضاف أن اليسار مر بعد الثورة بمراحل من الاعتداءات في الشارع والاغتيالات السياسية، وأن التعنيف والتعذيب تواصلا حتى بعد الثورة، واستطرد قائلاً "لكن المهم لا بد من العقلانية لوضع أسس العدالة".
وأكد أن العدالة الانتقالية مرحلة ضرورية، وأنه لا انتقال ديمقراطياً دون عدالة، معتبراً أنه بغض النظر عن الانتقادات التي وجهت للهيئة ورئيسة الهيئة، وتركيبتها فإنه يجب التمييز بين النقد البنّاء والنقد لضرب مسار العدالة الانتقالية.
وقال رئيس "حركة مرابطون"، والعميد السابق للمحامين، بشير الصيد، إنه سيقدم شهادته في الأشهر القليلة القادمة، كضحية عن الانتهاكات التي سلطت عليه في عهدي بورقيبة وبن علي، لافتاً إلى أنه قضى 8 أعوام في السجن، وأن البوليس السياسي في عهد بن علي داهم مكتبه واستولى على وثائق هامة.
وأضاف الصيد لـ"العربي الجديد" أن تيار القوميين منذ الخمسينات لغاية اليوم، يعتبر من أكثر التيارات التي قدمت ضحايا، وتعرض أفراده للتصفيات والإعدامات والتهجير، مبيّناً أن الحديث عن القوميين لا يزال منقوصاً ويتم تغييبهم وإقصاؤهم لغاية اليوم.
من جهته، قال الناشط السياسي، وأستاذ القانون الدستوري ورئيس "شبكة دستورنا"، جوهر بن مبارك، لـ"العربي الجديد" إنّ أول ضحايا نظام الاستبداد في عهد بورقيبة كانت قوى اليسار، مضيفاً أن بورقيبة أسس الجامعة التونسية في الستينات وحاكم الحركة الطلابية التي تخرجت منها.
وأوضح مبارك أنه بالاستماع إلى الشهادات، عادت به الذاكرة إلى الماضي لأن والده اعتقل وسجنت والدته في قبو وزارة الداخلية في العام 1973، مشيراً إلى أنه كان يزور والده المسجون في سجن الناظور بمحافظة بنزرت، وأنه ذات مرة منع رفقة والدته من تأدية الزيارة حيث ناموا أمام باب السجن في العراء.
وكشفت هيئة الحقيقة والكرامة أنه من إجمالي 55 ألفاً و120 ملفاً تم فرزها إلى حدود 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، وصلهم 13 ألفاً و749 ملفاً في الإيقاف التعسفي، و10 آلاف و501 تحت التعذيب، و9862 ملفاً في انتهاك حق السكن وحرمة المسكن، و4125 في انتهاك حق الصحة.