ويذكر التقرير أنه كانت هناك "فجوات كبيرة في تدريب الجنود وفي طبيعة العتاد الحربي مما صعّب على جيش الاحتلال القيام بمهمته الأساسية وهي هدم الأنفاق التي حفرتها حركة "حماس"، ولا سيما الأنفاق الهجومية التي تمتد داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ووفقاً للتقرير، فقد تمكنت المقاومة من استخدام بعض تلك الأنفاق للوصول إلى ما وراء خطوط الجيش الإسرائيلي خلال الحرب، وتهديد التجمعات السكنية الإسرائيلية في محيط غزة، والوصول إلى مسافة قريبة من مشارف مستوطنات ناحل عوز وعين وكيبوتس هسوفا وغيرها.
وأهم ما يبرزه تحقيق "هآرتس"، هو تكرار نفس الفشل الإسرائيلي في حرب تشرين 1973، عندما لم تقرأ الاستخبارات الإسرائيلية العسكرية حقيقة المناورات المصرية، واعتبرت أنها لن تخرج عن كونها استعراض عضلات وأن مصر لا تعتزم شن هجوم عليها.
ووفقاً لـ"هآرتس"، فإن هذا الأمر تكرر عملياً في الحرب على غزة، إذ إن المجلس الوزاري الاسرائيلي المصغر "الكابينيت"، الذي تخبط كثيراً في شنّ المعركة البرية إلى 17 و18 يوليو/تموز بعد أسبوعين من القصف الجوي، لم يكن على قناعة بأن "حماس" تريد القتال وأن الأنفاق ستكون هجومية فعلاً.
ويشير التقرير إلى أن "حماس"، وبعد عودة محمد ضيف لقيادة الجناح العسكري بعد استشهاد أحمد الجعبري، تمكنت بين فترة عدوان "الرصاص المصبوب" وعدوان "عمود السحاب"، من زيادة وتيرة عمل الخطط الهجومية والعملياتية للمقاومة عبر زيادة الترسانة الصاروخية للحركة وحفر منظومة الأنفاق تحت الأرض.
ومع أن التحقيق يظهر أن الجيش الإسرائيلي كان قد تمكن من رصد وجود 32 نفقاً، إلا أن الخلافات بين جهاز الشاباك وبين الاستخبارات العسكرية حول طبيعة الأنفاق وهدفها ومدى وصولها إلى العمق الإسرائيلي عرقل عملياً خطوات هدمها، لكن تفجير عبوة ناسفة في نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي، عندما حاولت قوة إسرائيلية تفجير وهدم أحد الأنفاق أوضح حجم الخطر الهجومي لهذه الأنفاق.
مع ذلك، وبالرغم من إصدار تعليمات لمختلف الجهات بالعمل لإحباط خطر الأنفاق، إلا أن شيئاً من ذلك لم يتحقق فعلياً، وظلت المهمة في نطاق نشاط ومسؤولية القيادة الجنوبية للجيش. ولم يزد دور القيادات السياسية وحتى العسكرية على الوصول إلى الأنفاق التي تم العثور عليها والتقاط الصور، وتحقيق المكاسب الإعلامية دون أي نقاش جاد لمواجهتها.
ويشير تحقيق "هآرتس" إلى تشكيل لجنة خاصة بقيادة مستشار الأمن القومي السابق، يعقوف عامي درور، لمواجهة موضوع الأنفاق، كما أن نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعالون، كانا يتلقيان تقريراً شهرياً عنها، لكن أحداً في "الكابينيت" الإسرائيلي لم يكن على علم بهذا الخطر، ولا تتم مناقشته بسبب الانشغال في الملف الإيراني.
وفي هذا السياق، يقرّ درور، حسب تقرير "هآرتس"، بأن إسرائيل لم تكن على معرفة تامة بحجم الأنفاق، وأن خطرها لا يختلف من وجهة نظره عن الصدمة التي أصابت إسرائيل من إطلاق الجيش المصري صواريخ "ساجر" على الدبابات الإسرائيلية خلال حرب تشرين 1973.
ويرصد تقرير "هآرتس" أن استشهاد ستة من عناصر "حماس" من وحدة النخبة بعد أن قصف الجيش الإسرائيلي نفقاً كانوا فيه، كان بمثابة شرارة الحرب بعد أن ردت "حماس" على ذلك بقصف شديد، فيما أعلنت الحكومة الإسرائيلية بين 7 و8 يوليو/تموز عن إطلاق عدوان "الجرف الصامد".
لكن تحقيق "هآرتس" يكشف أن وزير الاقتصاد، نفتالي بنيت، الذي كان يحصل على معلوماته كما تبين لاحقاً بشكل يومي تقريباً من ضباط وجنود في الميدان، وغالبيتهم من الذين خدم معهم ومن التابعين للتيار الديني الصهيوني، كان قد طالب منذ 30 يونيو/حزيران في لقاء جمعه بنتنياهو بأن تقصف إسرائيل الأنفاق رداً على قتل المستوطنين الثلاثة، إلا أن الموقف الذي ساد في "الكابينيت" قضى بعكس ذلك تماماً خوفاً من التورط في القطاع في حال الدخول براً.
وتقول الصحيفة في تحقيقها إن "الكابينيت" الإسرائيلي الذي أدار الحرب بدأ يدرك شيئاً فشيئاً حجم الخطر الكامن في الأنفاق، لكن الرد عليها كان عبر القصف من الجو، وهو ما سبب عملياً في وقت لاحق مشاكل كثيرة واجهها جنود الاحتلال مع بدء المعارك البرية.
ووفقاً لتحقيق "هآرتس"، فإن التحول في موقف "الكابينيت" وقيادة الجيش كان في السابع عشر من يوليو/تموز بعد أن تمكنت قوة من المقاومة من الوصول عبر الأنفاق إلى مشارف كيبوتس سوفا، وأثار بثّ الصور التي التقطها الجيش الإسرائيلي للاشتباك مع قوة المقاومة الهلع في أوساط سكان المستوطنات الجنوبية في إسرائيل، وألزم "الكابينيت" نتنياهو بإطلاق الحرب البرية والدخول إلى غزة في مهمة لهدم الأنفاق.
وفي هذه النقطة، يكشف التحقيق أن الخطط الحربية والقتالية التي كانت قد وضعت لم تكن متكاملة أو ملائمة للواقع على الأرض، فالخطط العسكرية الموضوعة مسبقاً لم تتطرق تقريباً للأنفاق، وإنما ركزت على السيطرة التدريجية على القطاع، مع توجيه ضربة قوية لحركة "حماس" وسلبها ممتلكاتها وقدراتها، وبالتالي فإن المعركة لهدم الأنفاق تمت عملياً من دون خطط عملية صحيحة ومن دون كميات كافية من الأسلحة والعتاد اللازمين لهذا الغرض. وهو ما أدى إلى إطالة أمد الحرب والعملية أكثر بكثير مما توقعها الجيش والحكومة. فقد أعلن ياعلون في 20 يوليو/تموز أن عملية هدم الأنفاق ستستغرق يومين أو ثلاثة، لكن العملية استغرقت أكثر من أسبوعين، مع ما رافق ذلك من القتال المتواصل بعد انهيار اتفاق التهدئة في مطلع أغسطس/آب واختطاف الجندي جولدين.
ويظهر التحقيق أن القصف الجوي للأنفاق زاد من صعوبة العثور على مسار الأنفاق في الجزء الفلسطيني من السياج الحدودي بعد دخول قوات الاحتلال إلى الشريط الحدودي، كما أن كثرة منافذ الأنفاق وتفرّعها تحت الأرض شكّل مفاجأة كبيرة لجنود الاحتلال. ولم تتوفر لقوات الاحتلال الأدوات الكافية والعتاد الكامل لمواجهة الكم الكبير من الأنفاق التي تم اكتشافها وخاصة بفعل تفرع هذه الأنفاق وتشعبها.
وقد أجبر هذا الكم الهائل من الأنفاق الجيش الإسرائيلي على مصادرة وإمساك آليات حفر كبيرة كثيرة تعود إلى أشخاص من القطاع المدني الخاص، بينها آليات حفر تابعة لفلسطينيين من الداخل ممن يعملون في قطاع الحفريات والبناء.
لكن إضافة إلى كل هذه الصعوبات، تبين لجيش الاحتلال أن طرقه في تفجير الأنفاق لم تعد ملائمة؛ فالتدريبات الإسرائيلية كانت مبنية على أساس كون الأنفاق قصيرة. لكن أنفاق غزة هذه المرة كانت لمسافات طويلة لم يعرف الجيش كيف يقوم بهدمها بشكل سريع وخلال وقت قصير.
واضطر جيش الاحتلال بسبب امتلاكه لجهازي "أملوسيا" الخاصين بهدم الأنفاق إلى استخدام أكثر من نصف مليون لغم مع ربطها بكميات هائلة من المتفجرات تم إنزالها للأنفاق، لكن ذلك لم يؤد عملياً إلى هدم الأنفاق كلياً وإنما جزئياً فقط.
كما تبين من التحقيق أن جنود الاحتلال افتقروا للخبرات اللازمة لعملية التفجير، وأنهم قاموا بذلك لأول مرة في خدمتهم العسكرية عندما طلب منهم ذلك في الحرب على غزة.
وينقل تحقيق "هآرتس"، في سياق الحرب تحت الأرض، عن جنود نظاميين وفي الاحتياط قولهم إنّ التدريبات التي تلقوها تختلف كلياً عما واجهوه عند الحرب في الأنفاق تحت الأرض، فيما أقرّ جنود احتياط آخرون أنهم دخلوا الحرب بجاهزية متدنية من دون أن يسبقها ولو حتى تدريب على الرماية.
وفي السياق تلخّص "هآرتس" اعترافات جندي، قال للصحيفة "كانت هناك نسبة كبيرة من الفهلوة في القتال عملياً مع كثير من الغرور، فضلاً عن النقص في الميزانيات والوسائل القتالية"، قبل أن يتساءل "فما الذي سيحدث في لبنان في مواجهة حزب الله، ستتكرر التجرية نفسها من جديد؟".