هجوم الأمس الذي رفع المعتدون خلاله أعلام تنظيم "داعش" من دون تبنيه رسمياً، سبقته اعتداءات عدة على أضرحة ومقامات صوفية في باكستان العام الماضي نفّذها متطرفون سنّة. صحيفة "نيويورك تايمز" تطرّقت في تقرير لها إلى الصوفية، وطرحت على لسان باحثين وأئمة أسباب استهداف الفرق الصوفية وأتباعها بالهجمات وأبعاد تلك الاعتداءات الدينية والسياسية.
جذور وممارسات التصوف
ذكرت الصحيفة أن الصوفية هي شكل من أشكال التصوف الإسلامي الذي يعتمد التأمل والتقارب الروحي مع الله، وأوضحت أنه يساء فهم الصوفية أحياناً على أنها طائفة من الإسلام، إلا أنها في الواقع أسلوب عبادة أوسع يتجاوز الطوائف. وأشارت إلى أن الممارسة الصوفية تركز على التخلي عن الأشياء والأمور الدنيوية وتسعى إلى تنقية الروح وممارسة التأمل الصوفي بطبيعة الله.
ورأت الصحيفة أن الالتباس لدى المسلمين عن التصوف أمر شائع، وفقاً للإمام فيصل عبد الرؤوف، وهو رجل دين صوفي كويتي أميركي وواعظ في مدينة نيويورك منذ سنوات عدة، وأسس مبادرة قرطبة التي تعزز الصورة المعتدلة للإسلام في الغرب.
وقال الإمام فيصل لصحيفة "نيويورك تايمز"، في مقابلة هاتفية، إن "المذهب الصوفي ليس أكثر من البعد الروحي للإسلام، إنه الإسلام، ولكننا نركز على التأمل، على جلسات الإنشاد والسماع، التي تمكن المسلمين والمسلمات من فتح قلوبهم". وتابع أن "الأساطير التي يمتلكها الناس عن الصوفية مماثلة للأساطير التي يمتلكها الناس عن المسلمين".
وابتداء من القرن الثاني عشر حتى فترة من الزمن كان التصوف الدعامة الأساس للنظام الاجتماعي في الحضارة الإسلامية، ومنذ ذلك الوقت انتشر في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وفي الصين، وغرب أفريقيا والولايات المتحدة. كذلك تكيّف التصوف مع عناصر من الثقافة المحلية والمعتقدات، ما جعله ممارسة شعبية.
أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة ميشيغان وخبير الصوفية الحديثة، ألكسندر د. كنيش، وصف الصوفية في حديث مع الصحيفة بأنها "حركة واسعة جداً وغير متبلورة" ويمارسها السنة والشيعة.
وشكّلت الصوفية جزءاً من الأدب والفن على مدى قرون. أما في العصر الحديث فإن النظرة السائدة إلى الصوفية واحدة "الحب والسلام والتسامح". وأوضح كنيش أن هذا النمط من العبادة أصبح مرادفاً للإسلام المحب للسلام.
لماذا استهدف المتطرفون الصوفية؟
في حين يرى بعض المسلمين أن الصوفية انحراف عن الشريعة فإن بعض الأصوليين والمتطرفين يعتبرون أن التصوف بمثابة تهديد للإسلام وأن المريدين المتصوفين زنادقة أو مرتدون.
وفي فبراير/ شباط الماضي، هاجم مسلحون ينتمون إلى تنظيم "داعش" المصلين من المتصوفة في مقام أحد فلاسفة الصوفية في جزء ناءٍ من جنوب باكستان، أسفر عن مقتل أكثر من 80 شخصاً، وصفهم المتشددون بأنهم مشركون. كذلك تعرّض مصلون صوفيون إلى جملة اعتداءات في مقامات قديسين في الهند والشرق الأوسط.
ويستهدف تنظيم "داعش" الصوفيين لاعتقاده بأن السنة هي الشكل الأصولي الوحيد للإسلام الصحيح.
يرى بعض الأصوليين أن تقديس القديسين أمر شائع لدى المذهب الشيعي في الإسلام، ويعتبرونه من الطقوس الوثنية؛ لأنه في نظرهم يظهر الإخلاص لغير عبادة إله واحد. ويعتبر بعض آخر أن الصوفيين مرتدون؛ لأن القديسين لم يكونوا جزءاً من الممارسة الأصلية للإسلام في وقت النبي محمد، الذي توفي في عام 632.
وقال كنيش إن "معارضي الصوفية يرون أضرحة القديسين من مظاهر الوثنية، ووجودهم وعبادتهم ينتهكان المبدأ الرئيس للإسلام، وهو تفرد الله وتفرد عبادته".
على الرغم من أن المتشددين السنة ينظرون منذ فترة طويلة إلى الصوفية والشيعة على أنهما هرطقة إلا أن شبكات إرهابية مثل تنظيمي "القاعدة" و"داعش" ناقشت في ما إذا كان قتلهم مبرراً.
وتصادمت المجموعتان الإرهابيتان حول ما إذا كان التركيز واجباً على "العدو البعيد"؛ أي الدول الغربية القوية مثل الولايات المتحدة، أو "العدو القريب"؛ أي الحكومات القمعية في العالم الإسلامي. ومع بداية الحرب في العراق استهدف تنظيم "داعش" الأغلبية الشيعية في العراق، أملاً في تعزيز الصراع الطائفي، فردّ تنظيم "القاعدة" بانتقاد زعيمه في العراق في ذلك الوقت، أبو مصعب الزرقاوي، لقيامه بذلك.
وعندما استولى فرع من تنظيم "القاعدة" على شمال مالي في عام 2012 استخدم المسلحون معدات الحفر والجرافات لتدمير الأضرحة القديمة للقديسين الصوفيين في تمبكتو. لكن الوثائق كشفت أن المسلحين تصرفوا من دون إذن من قادتهم، وأن كتابات بيّنت أن التدمير حصل نتيجة فزع المسلحين الذين يعتبرون أن المبرر الديني دفعهم إلى ذلك، على الرغم من أن القيادة وجدت أن الفعل غير حكيم لأنه تسبب في تحوّل السكان ضدهم.
حالة الصوفية في مصر
في حين لم تعلن أية جماعة مسؤوليتها عن الهجوم الذي وقع يوم أمس الجمعة، إلا أنه حمل بعض السمات التي ميّزت الاعتداءات السابقة على المسيحيين الأقباط في مصر. وفي خريف عام 2016 أعلن أتباع تنظيم "داعش" مسؤوليتهم عن قتل رجل دين صوفي هو سليمان أبو حراز الذي كان يبلغ من العمر نحو 100 عام.
وربما لا يستهدف الأصوليون بهجماتهم متبعي المذاهب الصوفية بسبب طرق عبادتهم فقط، إذ يقول خبراء إن العلاقات الودية بين الصوفية والحكومة المصرية قد تكون عاملاً آخر، ما يعطي الهجوم بعداً سياسياً، فقد تعهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن يقوم بعمل أفضل في حماية الأقليات الدينية، ما يجعل قتل الصوفيين محاولة من محاولات مسلحي التنظيم لتقويض سلطة السيسي.
وعلى غرار نظيراتها في العديد من الدول الأخرى ذات الأغلبية المسلمة تدعم الحكومة المصرية الصوفية لأنها تعتبر أتباعها أعضاء في فصيل معتدل يمكن التحكم فيه، ومن غير المرجح أن يشاركوا في النشاط السياسي، لأن أولوياتهم موجّهة نحو الجماعة ذاتها.
ويتقبل شيوخ الصوفية عموماً شرعية الدولة، ما يؤدي إلى توترات بينهم وبين معارضين لحكوماتهم، ممن يبدون الاستعداد لممارسة العنف في مواجهة الدولة إذا لزم الأمر.
— كبريائى 💕 (@dddooo1222) ٢٤ نوفمبر، ٢٠١٧ " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
وقال كنيش: "يعتقدون أن المجتمع يتحرك في الاتجاه الخاطئ وأن الصوفيين يساعدون ويحرضون السلطات على الطريق الفاسد". وأضاف "إن أسباب الهجمات سياسية إلى حد بعيد، ويعتبرون أن الصوفيين الداعمين للحكومة سيقفون ضدهم".
وقال الإمام فيصل إن الهجمات على المصلين الصوفيين إلى جانب كونها "خطيئة كبرى" هي نتيجة لتسييس الدين في المنطقة على مدى العقود القليلة الماضية. وقال إن مصر، على وجه الخصوص، هي المكان الذي يغذي فيه هذا التسييس التطرف.
وقد ذكرت تقارير صحافية أن قرابة 77 طريقة للصوفية منتشرة في مصر، يتبعها ما يزيد عن 15 مليون مصري، لكن أكثرها انتشاراً هي الطريقة القادرية. كذلك يوجد في مصر ستة آلاف ضريح يزوره أتباع الصوفية، من بينها ألف ضريح مشهور. وتحتوي القاهرة وحدها على 294 ضريحاً، ومن أشهرها ضريح الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة، وتتوزع بقية الأضرحة على بقية المحافظات. كذلك يوجد في أسوان أحد المشاهد ويسمى مشهد "77 ولياً".