"نيكي ميناج" في المصادر العربية

12 يوليو 2019
+ الخط -
اعتدتُ أن أتوثق من المعلومات بنفسي، وتدربت في معجم الدوحة التاريخي للغة العربية على الشك في النصوص قبل النفوس، وفي الحقيقة والواقع لم أسمع بـ"نيكي ميناج" قبل دعوتها إلى حفلة المملكة العربية السعودية الملغاة، وربما أكون قد رأيتها عرضًا في إعلانات النت الإجبارية، أو في المشاهد التالية التي تظهر تلقائيًا بعد انتهاء مقطع ما قد رأيته، المهم حتى وإن كنت رأيت فهذا النوع الصارخ من العرض والموسيقى لا يعجبني، ولذلك لم أدقق على العارضة ولا على غنائها.

وهذا الاسم الغريب في تركيبه يشد الانتباه عربيًا وعاميًا عربيًا، حتى أنني حاولت التأكد عندما قرأته لأول مرة معرّبًا في تويتر هل هو شتيمة أو اسم علم، لأن جزأه الأول فعل أمر مجزوم!

المهم وبعد أن ضج الإعلام بها أثناء دعوتها لمهبط الوحي وأرض الحرمين وبعد أن ألغيت حفلتها بقدرة قادر، قلت هل جهلي بها هو جهل بثقافة العصر؟ هل الوسط المثقف الذي نحسب أنفسنا عليه يعرفها أم لا؟ هل شغلتنا البحوث والدراسات عن مثل هذه النجمة. فقلت لأقرأ عنها، وإذا المصادر الأجنبية قد تناولتها اسمًا وفعلًا وحالًا وصفة وتعجبًا وكل الأحوال الإعرابية التي تخطر ببالكم حتى رفعًا وجرًّا ونصبًا.


فقلت لأرى مصادرنا العربية ماذا قالت عنها؟ وماذا كتبت؟ ولم أعدم المحاولة، فأقدم نص عربي مطبوع ذكرها كان في سنة 2016 للكاتب العراقيّ علي الكاش في مؤلفه: "جدلية الفوضى الفقهية وتسفيه العقل المسلم" الصفحة: 617، من إصدارات لندن، فقد خصص عنوانًا ساخرًا باسم: (شعار شيخنا الفقيه: للفوز بالمقدمة؛ حافظ على المؤخرة)، وكان يقصد الشيخ النائب خالد العطية رئيس كتلة ائتلاف دولة القانون البرلمانية في العراق، والذي أجرى عملية لـ"دبره" من ميزانية الشعب بتكلفة باهظة بلغت الملايين من العملة العراقية، فتظاهر الشعب على هذه المصاريف الشخصية "في غير محلها"، ووصف الكاتب هذا النائب وأمثاله بأنهم حولوا العراق من بلد الجنائن المعلّقة إلى بلد الجنائن المؤخّرة، وذكر المؤلف أن من بين الشعارات التي رفعت في المظاهرات قول بعض العراقيين الساخرين: "نقطات الشعب فدوة لبواسيره"، فالخلل الذي أصاب مؤخرة النائب هو البواسير، عوفيتم، التي عولجت بالمال العام، فأخرجت الجموع التي ما زالت أصابعهم بنفسجية اللون من آثار حبر التصويت لهذا النائب.
ثم عرج الكاتب على سوق المؤخرات العالمية التي يصرف عليها الملايين من أجل الشد والشفط والتدوير وعمليات تجميلية أخرى، وكل ما يصرف على مثل هذه المؤخرات لم يصل إلى ما صُرِف على مؤخرة الشيخ النائب أبي ذر.

ثم أخذ الكاتب يقارن بين أشهر المؤخرات العالمية فذكر مؤخرة "نيكي ميناج". كما ظهر هذا الاسم في كتاب: "القصاصات الساخرة في مملكة فسكونيا" للكاتب المصريّ هشام عباس الذي طبع في القاهرة سنة 2018، وقد ساق المؤلف في الصفحة: 56، من الفتاوى الغريبة الشاذة المعاصرة فتوى أحد الشيوخ بأن المقصود من غض البصر في الإسلام هو غض البصر عن الأخت المحجّبة العفيفة الشريفة، وأما المتبرّجة فيجوز النظر إليها والبحلقة والحمقلة في مفاتنها، فما أن انتهى الشيخ من فتواه هذه حتى هرع المستمعون إلى نت هواتفهم فكان من بين تأملاتهم إدامة النظر في مؤخرة "نيكي ميناج"، على رأي ضعها في رقبة عالم واطلع منها سالم (ـًا).

كما نقلت إلينا الترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية هذا الاسم، فقد جاء في رواية: "كرافت" السويسرية التي ترجمها من الألمانية الدكتور معتز المغاوريّ، وطبعت في مصر، فقد جاء في الصفحة: 120، حديث عن بنت مراهقة تضع على حائط غرفتها صورة كبيرة لمؤخرة المغنية الأميركية "نيكي ميناج"، وكان أبو الفتاة يتعمد الدخول إلى غرفة ابنته لرؤية المؤخرة الضخمة في حقيقتها وفي صورتها، حتى لاحظته ابنته، فأحرجته بنظراتها، فخرج من الغرفة مسرعًا وهو يتمتم بشيء.


أخيرًا وليس آخرًا تطالعنا مجلة الفيصل السعودية الشهيرة بمقال حول موسيقى بعنوان: "كيف يصنع "يوتيوب" ثورة الموسيقى الكاريبية"، للكاتب المغربيّ محمد الإدريسيّ، في العددين: 507-508 الصادرين في هذه السنة 2019، وفيه كلام عن موسيقى الراب في الموسيقى الأميركية والعالمية، وتطرّق إلى ظاهرة الاشتراكات والإعجابات ومنطق المليار مشاهدة في عالم الموسيقى، ولا يكتمل الحديث عنها إلا بذكر "نيكي ميناج" في حقل الراب، وكيف شهرتها فيه، وكيف زادت شهرتها بالاشتراك مع نجم آخر من وسطها وهو جاستن بيبر عندما أصدرا أغانيَ معًا.

إذن هذه "نيكي ميناج" في مصادرنا العربية على مستوى المطبوعات من الكتب والقصص والرويات المترجمة والمجلات الأدبية، لها ذكر وحضور، ويبدو أن وسطنا الثقافي له علم بها ومتابعة، بدليل مشروع دعوتها إلى شبه الجزيرة العربية، أظن أن الشهرة العربية لهذه المغنية قد تحققت حتى مع إلغاء حفلتها عربيًا.
D6D8CAA7-8CDA-4C91-8966-C0103DED13C9
أحمد الجنابي

خبير لغوي. حاصل على دكتوراه فلسفة اللغة، جامعة بغداد.