تستضيف قاعة "مركز سعد زغلول" في القاهرة حالياً، بالتعاون مع "ستوديو خانة للفنون البصرية"، مجموعة من الأعمال الفنية لعدد من التشكيليين المصريين تحت عنوان "نهارك سعيد.. فقاقيع الهواء". أعمالٌ ارتكزت في رؤيتها البصرية على نص ورد في كتاب "إغاثة الأمة بكشف الغمة" للمقريزي، ويتعرّض لما يُعرف تاريخياً بالشدّة المستنصرية، أي المجاعة الشديدة التي ضربت مصر خلال النصف الثاني من القرن الخامس الهجري، في عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله.
حاول المشاركون تقديم معالجة بصرية تربط بين هذا النص والصورة الراهنة وفقاً لرؤية كل فنان، وقد تفاوتت المعالجات بين الاقتراب المباشر من روح النص والابتعاد عنه. فتحت عنوان "جفاف تدريجي"، قدّم الفنان علاء عبد الحميد تجهيزاً في الفراغ يتضمن مجسّماً لرجل مصنوع من الطين، امتلأ بدنه بتشققات كثيرة، يجاوره فيديو يبيّن المراحل التدريجية لظهور هذه التشققات، في محاولة لكشف مفاعيل الزمن على العمل. وفي النص المرافق للعمل، يشير عبد الحميد إلى المخاوف التي اعترت المصريين من بناء سد النهضة الأثيوبي على مجرى النيل، واحتمال نقصان حصة مصر من مياه النهر بسببه.
وشاركت ياسمين المليجي بمجموعة من الصور المرسومة بالأبيض والأسود والمحفوظة داخل إطار مذهّب أنيق. صور لنباتات وأوسمة ونياشين وتاج ملكي، يجاورها مجسّمٌ بحجم كبير لحبّة فول، في إشارة إلى ما تقدّمه الأرض من خير، وفي الوقت نفسه إلى الشعور بالفقد أو الأسى، لهشاشة ما تمنحه الأرض ويشكّل قوام الحياة بالنسبة للإنسان.
وفي تجهيز بعنوان "أشجار خرسانية"، قدّم تامر شاهين صورة مباشرة وصارخة لانحسار الرقعة الزراعية أمام الزحف العمراني عبر تغطيته جزءاً من أرضية القاعة بمساحة خضراء يتوسطها جذع شجرة يابس غرست فيه أسياخ من حديد التسليح المستخدم في البناء.
عمل لـ ياسمين المليجي |
وفي عملٍ بعنوان "عيش بلدي" مستوحى من الإعلان عن اكتشاف علاج لفيروس الإيدز والتهاب الكبد الوبائي الذي أعلن عنه الجيش المصري منذ فترة، وضع باسم يسري رغيف خبز تقليدي داخل إطار كبير يحيط به عدد من الخطوط المرسومة على شكل وصلات إلكترونية، في محاولة منه للسخرية من الاكتشاف المذكور وما صاحبه من ضجة وصخب إعلامي، وأيضاً لتسليط الضوء على أولويات الشعب المصري التي يجب الاهتمام بها، بدلاً من بث دعاية كاذبة كان لها أثرها في اهتزاز ثقة الكثير من الناس بالمؤسسة العسكرية.
من جهته، برّز محمد عبد الله قدسية العلاقة بالأرض من خلال عمل بعنوان "تجربة محظورة" ربط الفنان فيه بصرياً بين أحد النصوص القرآنية وما تخرجه الأرض من نبات.
وشارك محمد عز في عمل بعنوان "الرجل الذي يأكل، الرجل الذي يصنع" يتألف من مجموعة من الصور الفوتوغرافية لشخصين من الشارع يمثّلان العلاقة بين طرفين يتبادلان المصلحة، واحد يصنع الطعام والآخر يبحث عن الطعام. وقد اكتفى الفنان بصورتين لكلّ من الشخصين تتوسّطهما السلعة. ويرمز العمل إلى العلاقة الثابتة التي تتحكم بمتطلبات الحياة اليومية في الشارع المصري اليوم، في ظل حالة الغلاء السائدة التي فشلت السلطة، رغم وعودها، في السيطرة عليها أو تحجيمها.
واستعانت رانيا فؤاد في عملها "أن ترى" بصور مرسومة للقرود الثلاث الذين يمثلون الحكمة الصينية الشهيرة "لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم"، لتجسيد العلاقة المتباينة بين الناس والسلطة. فبينما تمعن السلطة في القمع، يتجه الناس دائماً إلى اصطناع الجهل.
"موسم المهرّج" لـ أحمد السمرة |
أما الفنانة سما والي فسعت في عملها المرسوم على ورق، "حلم فرعون"، إلى تعميق الرؤية بما ينطوي عليه التاريخ من أحداث تتسم بالتكرار والتشابه في كثير من الأحيان.
ونشاهد أيضاً في المعرض ثلاثة فيديوهات، الأول لإسلام كمال بعنوان "محيط" ويتضمن عدد من المشاهد والصور المنزلية الحميمة ولقطات في الشارع، يتجلى فيها ذلك التناقض البصري بين ما يُعرض داخل الواجهات الزجاجية للمحلات التجارية والأشخاص الذين نراهم يومياً في الشارع المصري. وفي هذا السياق، تتجوّل الكاميرا بين واجهات العرض الممتلئة بالألوان المُبهجة، وبين الناس المتحفّظين والمتواضعين في ملبسهم. ولتعزيز التناقض الملاحظ بين المشاهد، يعرض الفيديو بشكلٍ متواتر مشهد فتاة تؤدي حركات راقصة بين المارة في الشارع.
الفيديو الثاني لأحمد السمرة يحمل عنوان "موسم المهرّج" ويمزج بين السخرية اللاذعة والمفارقة التي تتمثل في مهنة المهرج. فهو شخص مثير للضحك عادة، لكنه يتحول أحياناً إلى شخص شرير وقاتل يستدرج الناس بكلماته المعسولة وحركاته البهلوانية من أجل القضاء عليهم. وثمة في العمل إسقاطٌ على المشهد السياسي الراهن، يتجسد في تلك الجملة التحذيرية التي أوردها الفنان في سياق تقديمه للعمل ويحذر فيها المتلقّي بأنه سيكون حتماً ضحية المهرج المقبلة.
أما فيديو سها السرجاني، "شجرة الجمّيز"، فموضوعه القيم التي تتوارى تحت وطأة الضغوط الحياتية، وينطوي على جوانب تاريخية وإنسانية وبيئية. إذ تصوّر الفنانة العلاقة بين أشجار الجميز ومحيطها الطبيعي، محذّرةً من انقراض تلك الشجرة التي تربطها بحياة المصريين وشائج ثقافية وشعبية وتاريخية.