وعانى حزب "نداء تونس" الأمرّين من جراء استقالات نوابه وانسلاخ قياداته، دفع الحزب بسببها موقعه في المشهد السياسي، من متصدر الحكم وصاحب القرار السياسي في التعيين والعزل والتسيير إلى خاضع لحلفائه، في فترة ما قبل أن يجد نفسه خارج مشهد الحكم متأرجحاً بين المعارضة وأقصى يسار المعارضين، في مشهد سريالي لم يشهد له مثيل من قبل في أنظمة الحكم المتعاقبة.
وتقدّم عدد من نواب البرلمان التونسي بمقترحَي تعديل للقانون الانتخابي الذي سيعرض الأسبوع المقبل، ويهدف إلى منع استقالة النواب من أحزابهم وكتلهم البرلمانية، بحسب ما أكده النائب منجي الحرباوي القيادي البارز بحزب "نداء تونس" ورئيس مكتب الإعلام به، مشيراً في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن التعديل يقضي بإسقاط عضوية أي نائب يرغب في ممارسة "السياحة الحزبية"، بما يفضي لفقدانه العضوية داخل البرلمان تماماً، في حالة طلب النواب الاستقالة من الحزب أو القائمة الانتخابية التي بلغ من خلالها مجلس نواب الشعب.
وينصّ التعديل الأول بإضافة بند على القانون الانتخابي، "علاوة على الحالات الواردة في الفصل 34 من هذا القانون، يعدّ شغوراً نهائياً كذلك إذا استقال العضو المنتخب من الحزب أو الحركة أو الائتلاف الذي ترشح ضمن قائمته، أو كذلك عند الاستقالة من الكتلة النيابية للحزب أو الحركة أو الائتلاف الذي ينتمي إليه".
فيما يمثل المقترح الثاني إضافة فقرة جديدة للبند، تنصّ على أن "يفقد العضو المنتخب آلياً عضويته في الهيكل المنتخب إذا استقال من الحزب أو الحركة أو الائتلاف، الذي ترشح ضمن قائمته أو كذلك عند الاستقالة من الكتلة النيابية للحزب أو الحركة أو الائتلاف الذي ينتمي إليه".
وقال رئيس "منظمة البوصلة" المختصة في مراقبة البرلمان، سليم الخراط، إن "السياحة البرلمانية والحزبية أثّرت على أعمال البرلمان وساهمت في عدم استقرار هياكله ومؤسساته، وعطلت تقدم مناقشات القوانين وتركيز الهيئات الدستورية كما أثرت على منظومة الحكم".
ولفت الخراط في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "ظاهرة السياحة البرلمانية رافقت الحياة البرلمانية منذ المجلس الوطني التأسيسي في 2011، وهي تعكس ضعف الأحزاب هيكلياً وتنظيمياً وضعف برامجها، بما دفع نوّابها وأنصارها إلى مغادرتها إلى جانب ترسيخ فقدان المواطن الثقة في الأحزاب وتعزيز عزوفه عن المشاركة في الحياة السياسية والعامة".
وعرف "نداء تونس" خلال ولاية الحكم التي تشارف على النهاية، هزات غير مسبوقة قسمت الكتلة البرلمانية ومن ورائها الحزب إلى 6 أجزاء، وتفرعت عن شقوقه وروافده أحزاب وكتل وليدة سرعان ما تحولت إلى قوى برلمانية مضادّة وأحزاب منافسة وأخرى معادية.
وتقهقر "نداء تونس"، من متصدر ائتلاف الحكم البرلماني إثر نتائج انتخابات 2014 بـ 86 مقعداً في البرلمان، لينزل إلى أقل من النصف بـ 41 نائباً فقط خلال آخر المدة، أي في الترتيب الثالث، بشكل ضرب صورته في المشهد السياسي وقوض ثقة أنصاره، ليجد نفسه في صفوف المعارضين بعدما خسر غالبية قياداته وجلّ نوابه.
وانتقل هؤلاء إلى حزب "تحيا تونس" الجديد الداعم لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي يضم 46 نائباً في المركز البرلماني الثاني، بعد حليفه في الحكم حزب "النهضة" متصدر المشهد بـ 68 عضواً.
كما خسر "نداء تونس" المنضوين تحت لواء "كتلة الحرة" لحزب "مشروع تونس"، التي تضم 16 نائباً بزعامة محسن مرزوق الذي قاد شقاً من المنسلخين عن "النداء" أيضاً.
فيما تشتت البقية بين الأحزاب الوليدة منه، على غرار نائبين في حزب "البديل" الذي يرأسه رئيس الحكومة الأسبق، مهدي جمعة، وحزب "بني وطني" الذي يتزعمه الوزير السابق سعيد العايدي.
وأثرت تبعات انهيار "نداء تونس" وانشقاقاته أثناء فترة حكمه على استقرار البلاد ككل، بعد أن ضرب ذلك التوازنات البرلمانية، وأصبحت الحكومات عاجزة عن تجميع الأصوات لتمرير القوانين، لتتحول أزمة الحزب الحاكم إلى أزمة برلمانية خانقة، سرعان ما عطلت جميع دواليب الدولة.
وحتى حزب "النهضة" أعتى الأحزاب البرلمانية وأكثرها تنظيماً، مرت به رياح "السياحة البرلمانية" بانسلاخ وزير العدل السابق، نذير بن عمو، عن الكتلة والتحاقه بكتلة "الولاء للوطن" التي تجمع خليطاً من مستقلين ومتحزبين.
وانطلقت السياحة الحزبية زمن المجلس الوطني التأسيسي، إذ عانت أحزاب الحكم حينها ويلات الانشقاقات والاستقالات على غرار حزب "التكتل"، الذي تزعمه رئيس البرلمان السابق مصطفى بن جعفر، الذي فقد نصف أعضائه، وكذلك حزب المؤتمر الذي كان يتزعمه الرئيس السابق المنصف المرزوقي الذي انشطر إلى حزبين؛ "المؤتمر" من جهة و"حركة وفاء" من جهة أخرى، قبل أن يؤسس المرزوقي نفسه خياراً ثالثاً سحب معه عدداً من الأنصار في حزب "حراك تونس الإرادة".
وتفرق حزب "الاتحاد الوطني الحر" لمؤسسه رجل الأعمال، سليم الرياحي، إلى شظايا زمن التأسيس وخلال ولاية مجلس الشعب الحالية، حتى إن عدداً من نوابه تجول بين الكتل والأحزاب ذهاباً وإياباً انضماماً واستقالة في أكثر من ست مناسبات متتالية، بشكل أصبح أقرب للهزل منه إلى الجدّ.
وحاول النواب المؤسسون دسترة منع "السياحة الحزبية" وتحجير الاستقالات، إلا أن الأغلبية ذهبت إلى عدم المسّ بحرية النائب في اختيار مصيره، تاركين المسألة إلى ضميره ومدى وفائه لناخبيه، فيما تحجج آخرون بكون النواب فور انتخابهم أصبحوا نواباً عن كل أفراد الشعب، لا عن أحزاب وفئات وتقييدهم يعتبر بالتالي كسراً لروح النص الدستوري.
وباءت جميع محاولات منع "السياحة الحزبية" بالفشل، ليصبح التنقل بين الكتل والتجول بين الأحزاب عنواناً لأكثر من ثلث أعضاء البرلمان، الذين غيروا كتلهم أي ما يقارب 78 عضواً غيروا كتلهم البرلمانية والحزبية.