"نحبك هادي": حكاية شباب ما بعد الثورات العربية


03 سبتمبر 2017
من الفيلم (فيسبوك)
+ الخط -
في عام 2016، افتتح المخرج التونسي محمد بن عطية، باكورة أعماله "نحبك هادي" ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي. ورغم أنه فيلمه الأول، إلا أنه ذهب إلى هناك بزخمٍ كبير، فهو عَمَلٌ من البلد الذي بدأ الثورات العربية، منفذ بدرجة عالية من الإتقان، وبإنتاج من الأخوين البلجيكيين لوك وجان بيير داردان، اللذين يعتبران من أهم صناع السينما في العقود الأخيرة. 

ومع عرض الفيلم، نال تقييمات عالية من النقاد، قبل أن يختتم حضوره بفوزه بجائزتي أفضل ممثل لبطله ماجد مستورة، وأفضل عمل أول لمخرجه. وحالياً يعرض الفيلم تجارياً في مصر، ضمن عروض سينما "زاوية"، ويحقق حالة من الاتصال بين بلدان عربية مختلفة، سواء من الناحية السينمائية التي تحمل جيلاً جديداً بطموحاتٍ كبرى، أو من الناحية الوجدانية، حيث يمكن تخيّل الفيلم وبطله في أي بلد عربي آخر، كانعكاس لشباب ما بعد الثورة.



تدور أحداث الفيلم، الذي كتبه بن عطية أيضاً، عن الشاب التونسي "هادي"، الذي يعمل في شركة "بيجو" لبيع السيارات، ويعاني اجتماعياً من سيطرة والدته وعدم قدرته على التحكم في حياته، لدرجة أنه سيتزوج قريباً من دون أي رغبة أو حماس ظاهرين.

وقبل وقت قليل من تلك الزيجة يسافر "هادي" في رحلة عمل إلى إحدى المدن التونسية الأخرى، وهناك يتعرف على "ريم" الفتاة التي تعمل في الفندق الذي يقيم فيه، ويشعر ناحيتها بانجذاب عاطفي، قبل أن تتطور الأمور سريعاً ليبدأ في مساءلة حياته وقراراته وما الشيء الذي يريده فعلاً.



منذ اللحظة الأولى للفيلم، يظهر تأثّر بن عطية بالأخوين داردان. في الكاميرات المحمولة التي تتبع الشخصيات، وطابع المنظور الفردي طوال الأحداث، وفي مسحة الواقعية والهم الاجتماعي وشريط الصوت الحاد الذي يغلف كل شيء، وصولاً إلى الندرة الشديدة في استخدام الموسيقى (والتي لا تستخدم أصلاً في أفلام الـ"داردانز")، وهو أسلوب كان مناسباً جداً للحكاية، التي في جوهرها قصة انعتاق من السلطة ورحلة من أجل اتخاذ قرار، ضمن سياق واقعي رغم بعض التفاصيل الحالمة.

في افتتاحية الفيلم، نرى "هادي" في السيارة ضمن كادر ضيق، يرتدي رابطة العنق (بكل مدلولاتها الرمزية) ثم نتابعه في العمل وفي البيت وفي منزل خطيبته، على وجه عدم الراحة أو عدم الحماس ولكن من دون غضب. وخلال الثلث الأول من الأحداث، لا يستعرض بن عطية فقط حياة بطله، ولكن من خلفه (وبدون أي مباشرة) الوضع الاجتماعي والاقتصادي في تونس ما بعد الثورة، وحالة الخواء التي يمر بها الشباب الذين قَلبوا وجه العالم في 2011، قبل أن يجدوا بعدها الكثير من الإحباط والأسى واللا جدوى.


مع ظهور "ريم"، بحضور آخاذ جداً من الممثلة ريم بن مسعود، ينقلب الفيلم في ثلثه الثاني كانقلاب بطله. ورغم السرعة الشديدة في بداية العلاقة، وعدم تفهمنا بشكل كامل دوافع "ريم" للانجذاب نحو شاب لا يوجد فيه ظاهرياً أي شيء مميز، إلا أن الأهم هو تتابعات ذلك، وشعور "هادي" بالـ"معنى" في حياته، ومساءلة "ما يحبه" و"ما يرغب أن يكون عليه"، تقول له "ريم" في أحد أهم مشاهد الفيلم "بماذا تحلم؟"، وحين يجيب أنه "يحلم بكتاب يضم رسوماته"، ترد بجدية أن "هذا مشروع وليس حلما"، وبالتالي ما من سبب في الانتظار؟

تشعره أن الأشياء قريبة وأنه يجب أن يتحرك ناحيتها، وهو ما ينعكس على اللحظة التي يخرج فيها رسوماته من الخزانة ويفكر فيما يمكن أن يفعله. الفيلم بالتأكيد واحد من أفضل الأفلام العربية التي عرضت في السنوات الأخيرة، وتواجده في نفس العام مع أفلام مثل "آخر أيام المدينة" و"اشتباك" لتامر السعيد ومحمد دياب، و"آخر واحد فينا" للتونسي علاء الدين سليم (الفائز بجائزة أفضل عمل أول في "فينيسيا")، وكلها الأفلام الأولى أو الثانية لمخرجيها، يبشر بمستقبل جيد للسينما العربية، وقدرة على الوصول إلى مستويات عالمية.




المساهمون