"ناجي" الذي خدش حياءهم

31 ديسمبر 2015
الحق أيضاً أنها ليست قضية دولة بل قضية مجتمع(الفيسبوك)
+ الخط -
الواقع ربما أكثر سريالية، والقالب الروائي لهيبة القضاء وثقافة وكلاء النيابة بحاجة إلى تعديل.
مرة أخرى الكلمة في مواجهة المدافع، مرة أخرى الأدب تحت رحمة عديمي الأدب، والحق أن ذلك يدفعنا إلى سؤال أهم، هل تخدش حياءهم الألفاظ ولم يخدشها منظر الدم في الشوارع والتعذيب في أقسام الشرطة والتصفية العلنية للمتهمين!

رحم الله الأمام السيوطي لو كان حياً لسخر منهم! ولشدُوه للمحاكم مُتهما بخدش حياء أحدهم بعد عمر من تغيير اسم كتابه من "الإيضاح في معرفة النكاح" إلى "الإيضاح في معرفة الجماع"، ضاربين بالسجع مثلا عرض حائط الأخلاق الكريمة، والأمثلة متعددة، الحق أننا نواجه تشويها لثقافتنا وتراثنا حديثا منذ مرة سُلّموا ضحلي الثقافة زمام التوعية فأعطبوا وعطلوا وغيّروا ألفاظ العربية بدعوى الحياء الذي لا يُدّعى به غير على الغلابة، وكلنا غلابة!

بالقلب ما يكفي من الغرق ولله الأمر من قبل ومن بعد، بعد ساعة لم يتمالك الحضور أصدقاء الكاتب والصحافيين المتضامنين من سلاح معهم غير الضحك، فضحكوا، واستفز ضحكهم وكيل النيابة، واستفزازه عاد عليهم بمزيد من الضحك على حد حسن عبد الموجود، ولما وضع ناصر أمين "محامي ناجي" كتبا للسيوطي والأغاني للأصفهاني كدليل على أن استخدام اللفظ للفظ مشروع وقال "أخشى أن أقرأ منها فيُغمى على المدعين بالحق المدني" ضحكوا أكثر.

يحجز القاضي الدعوى للنطق بالحكم ونحبس جميعنا أنفاسنا، ليس أحمد ناجي وروايته "استخدام الحياة"، هما القضية، وإنما هو حقنا في التعبير، في تسمية الأشياء بمسمياتها، في ما نملكه ضد كل هذا العبث الدائر في محاكمات هزلية تُجرى على هوى السلطة الحالية وستار الدين الشكلي والأخلاق المزعومة، أخشى أن تُعاد محاكمة نجيب محفوظ شعبيا مرة أخرى ويقرروا أن يقتلوه ثانيةً.

ونحن إذا تضامنّا مع ناجي فإنما نتضامن مع حرية الفكر وحرية التعبير بل حرية الرأي كله، ليس حق الكاتب وحده وإنما حق المجتمع في المعرفة أيضا، هي حزمة من الحقوق تبتدي بحق الكاتب أن يكتب ما يريد وتنتهي عند تقبّل الرأي الآخر ولو كان مخالفا، ولو كان حراما.

الحق أيضا أنها ليست قضية دولة بل قضية مجتمع، ارتباك القيم وستار الخلق الذي ينهار تماما في تقبّل التحرش كقضية مسلّم بها أو في إيرادات السينما الركيكة والثقافة المبتذلة بدون رقابة شعبية أو حكومية، فنجد أعراض انفصام الشخصية على نطاق واسع ليس في نطاق حجرة المحكمة الضيقة هذه المرة.

علّق الجاحظ مرة فقال: "وبعض من يظهر النسك والتقشف إذا ذكر كذا وكذا أو كذا تقزز وانقبض، وأكثر من تجده كذلك فإنما هو رجل ليس معه من المعرفة والكرم والنبل والوقار إلا بقدر هذا التصنّع".
أخشى أن أجد نفسي مُحالا للمحكمة أنا أيضا إذا ما أشرت إلى ما قاله الجاحظ فعلا عن كذا وكذا وكذا فسترتهم بحجاب عفتهم، وليسامحني الله!

(مصر)
المساهمون