"مهرجان القاهرة السينمائي... أسئلة النتاج العربي

21 نوفمبر 2016
لقطة من "آخر أيام المدينة" (فيسبوك)
+ الخط -
تحتلّ السينما العربية، في الدورة الـ 38 (15 ـ 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016) لـ "مهرجان القاهرة السينمائي الدوليّ"، مكانة أساسية: هناك أفلامٌ مُشاركة في المسابقة الرسمية، وأخرى موضوعة في لائحة الاختيار الرسمي ـ خارج المسابقة. هناك أفلامٌ معروضة في "أسبوع النقاد الدولي الثالث"، بالإضافة إلى "آفاق السينما العربية"، في دورتها الثالثة أيضاً. كميّةٌ تعكس شيئاً من حيوية هذه السينما، لكن النوعية معقودةٌ على مُشاهدة تؤدي إلى قراءة نقدية سوية. الحيوية أساسية، إذْ تعني أن الجغرافيا العربية، أو بعضها الأساسيّ على الأقلّ، ينبض بنتاجاتٍ مختلفة، في حين أن دولةً، كالمملكة العربية السعودية، تحضر في مهرجانات شتّى، بفضل "بركة يُقابل بركة" لمحمود صباغ (آفاق السينما العربية)، المُرسَل إلى "أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية" الهوليوودية، في لائحة الأفلام المرشَّحة من دولها للتصفية الأولى لجوائز "أوسكار أفضل فيلم أجنبي 2017". 

لن يكون سهلاً التغاضي عن هذه المسألة، في مهرجانٍ يُقام في عاصمة السينما العربية. الارتباك الحاصل بين إدارة المهرجان، في دورته الـ 38، والمخرج المصري تامر السعيد، حول "آخر أيام المدينة"، يُشكِّل امتداداً لارتباكٍ قديم بين المهرجان نفسه والسينما المصرية، مع أن هذه المسألة تحديداً مختلفة. في المقابل، تؤكّد السينما المصرية حضورها في المشهد السينمائي العام، وتستمرّ ـ بفضل نتاجات عديدة ـ في تثبيت معنى إبداعي للصورة، المنبثقة من وقائع العيش اليومي في ظلّ انقلابات حاصلة، في السياسة والاقتصاد والاجتماع.

ولأن للسينما المصرية حضوراً دائماً في صناعة صورة عربية تتلاءم وبيئتها وأفرادها وحكاياتهم، وهي مبتعدةٌ عن التقليد الكلاسيكي، الذي يُنتج، لغاية الآن، صُوَره الخاصة به؛ ولأن إدارة المهرجان تريد انفتاحاً على سينما محلية، تتنوّع اتجاهاتها بتنوّع أساليب صانعيها؛ ولأن أفلاماً مصرية حديثة الإنتاج تُلاقي اهتماماً دولياً لمواضيعها الراهنة، ولاشتغالات مخرجيها؛ يُخصَّص ببعض العناوين حيّزاً لعروضٍ تتمّ أمام حضورٍ عربي وأجنبي، لا يزال الوقت باكراً لتبيان مدى اهتمامه بهذا البعض، وذلك في برنامج "السينما المصرية الجديدة (2015 ـ 2016)"، علماً أن الناقد السينمائي المصري سمير فريد ـ الذي تُعقَد ندوة "ربيع السينما العربية" لمناقشة كتابه الجديد (بالعنوان نفسه)، الصادر عن "آفاق السينما العربية 3" ـ يصف العام 2016 بأنه "أنجح أعوام السينما المصرية".

النجاح النقدي يُقابله نجاح تجاري أيضاً لبعض أفلام العام نفسه، إذ تتجاوز إيرادات هذا البعض عتبة الـ 25 مليون جنيه مصري، كـ "هيبتا: المحاضرة الأخيرة" لهادي الباجوري، المقتَبَس عن رواية "هيبتا" (2014) لمحمد صادق (1987). يُذكر أن طبعتها الـ 48 صادرةٌ في سبتمبر/ أيلول 2016، عن "الرواق للنشر والتوزيع" (القاهرة).

4 أفلام عربية تتنافس على جوائز "المسابقة الرسمية"، أوّلها المصري "يوم للستات" لكاملة أبو ذكري (افتتاح الدورة الـ 38 للمهرجان)، بالإضافة إلى "حكايات قريتي" للجزائري كريم طريدية، و"البرّ الثاني" للمصري علي إدريس، و"ميموزا" (إنتاج مغربي فرنسي إسباني قطري مشترك) للفرنسي الإسباني أوليفر لاكس. يغوص الأول في بيئة اجتماعية لتعرية مفاصل وحالات، داخل مسبحٍ عام، يُسمَح للنساء باستخدامه يوماً واحداً، فتنكشف وقائع وحكايات. وتحضر الحرب الجزائرية، في الثاني، في حكاية مراهقٍ يحلم باستشهاد أبيه، ليتمتع ـ كابن شهيد ـ بامتيازات كثيرة، ما يجعله مستعداً للتضحية بكل شيء، وبكل أحد. وينضوي الثالث في إطار الأفلام المعنية بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، متابعاً مسار شباب مصريين يهربون من قراهم الريفية، ويلتقون في مركبٍ يقلّهم إلى إيطاليا. وبين حلمٍ بالهجرة، وآمالٍ بعيش مختلف في القارة القديمة، وبين مخاطر الرحلة والجحيم الذي تصنعه، يتحوّل الخيال إلى واقعٍ مريرٍ، أو ربما العكس. أما الرابع، فيتوه، مع شخصيات قليلة، في المدى الواسع بين الواقع والمتخيّل، وبين جبال الأطلس المغربية والمدن الفقيرة، لمرافقة جثمان شيخٍ يُوصي بدفنه في قريته.

في "آفاق السينما العربية 3"، تتنافس 8 أفلام (2015 و2016) على جوائز مختلفة. في الدورة الـ 36 (2014)، يُقرّر سمير فريد، بصفته رئيس المهرجان، تنظيم هذه المسابقة، فيُكلِّف "نقابة المهن السينمائية" بالمهمة. يقول مسعد فودة (نقيب المهن السينمائية ورئيس "الاتحاد العام للفنانين العرب") إنه، بعد 3 أعوام، يُمكن للنقابة الافتخار بوجود "مهرجان حقيقي للسينما العربية"، ويؤكّد على أن "حلم فريد (بذلك) يتبلور"، ويشير إلى أن "المهرجان مكتمل"، وأنه "يُدار باستقلالية عن مهرجان القاهرة، ما يُعطي للنقابة دوراً وبُعداً جديداً في دعم صناعة السينما في مصر والعالم العربي، والترويج لها".



المساهمون