في مدينة مثل بيروت بمزاجها "الفرنساوي" غالباً، لا تلقى نشاطات "المركز الثقافي الروسي" الكثير من الاهتمام، مثلما يحدث حين تكون الجهة المنظّمة هي "المركز الثقافي الفرنسي" أو "المجلس البريطاني" أو "غوته الألماني".
ليس صعباً تخمين السبب وهو من شقين، الأول يتعلّق بالجمهور نفسه والعلاقة مع الثقافة الروسية، التي يتوهّمها البعض كما لو كانت شيئاً لا بد أن يكون بائداً كالشيوعية مثلاً، الأمر يمتد ليشمل ترجمة الأدب الروسي مثلاً وكأنه اختفى، والثاني يتعلّق بأنشطة المركز نفسه وحضوره الكسول.
لكن ومع "مهرجان الفيلم الروسي" الأول من نوعه، والمنتظر افتتاحه بعد غدٍ الثلاثاء، 25 من الشهر الجاري في سينما "متروبوليس" في العاصمة اللبنانية، يبدو أن فصلاً جديداً قد فُتح بين نشاطات المركز والمدينة.
في البداية سيخطر لك، أن حسناً ما فعله منظّمو المهرجان بأن اختاروا عرض أفلام أُنتجت في الأعوام الخمسة الأخيرة حصراً، لكن هذا سيتبدّد ما أن تفتح قائمة العروض، التي لا نقلّل من أهميتها، ولكنها تظلّ محدودة جداً، حيث تم تقسيم الأيام الثلاثة للمهرجان كالتالي، يخصّص اليوم الأول لما يُعنونه البرنامج بـ "الأفلام التجارية" وفيها يُعرض فيلمان "الطاقم" و"عن الحب".
في اليوم الثاني تُعرض "أفلام التحريك والأفلام القصيرة" من بينها "لا نستطيع العيش من دون كوزموس" و"الاستماع لبيتهوفن" و"البيّاع". أما اليوم الأخير فسيكون لـ "الأفلام الوثائقية"، حيث يُعرض فيلما "حربها: النساء ضد داعش" و"منطقة مفنّدة" وهو عن غزة.
لم يقع اختيار المركز، (إذا استثنينا فيلم "عن الحب") على تلك الأفلام التي شغلت المهرجانات والنقّاد والجمهور النخبوي في الخمسة أعوام الأخيرة بنوعيّتها، نذكر منها "ليلة ساعي البريد البيضاء" أو "ليفياثان" أو "تحت غيمة كهربائية" و"الخلاص" و"علم السلوك الترفيهي" (Recreational Ethology) و"الوطن الأم".
ومع ذلك، لا يمكن القول إلا أهلاً بالسينما الروسية المعاصرة، فقد مرّت هذه بتحولات كثيرة في وقت قصير، فمع مطلع الألفية الثالثة، ظهرت أفلام روسية كبرى مثل "الفُلك الروسي" (2002) و"عودة" (2003)، ثم بدا أن معظم صنّاع الفن السابع في روسيا يريدون الركون إلى تلك المنطقة المريحة، التي تجلب للأفلام الجماهير والمال والشهرة، وهذه المنطقة هي تلك التي صمّمتها هوليوود، أنتجت أفلام كثيرة من هذا النوع ولم تحقق النجاح الهوليوودي المنشود.
لكن حدث شيء فجأة؛ يقظة فجائية ربما بعد أن توالت الأحداث السياسية. نعرف أن السينما الروسية بدأت في إنتاج سلسلة من الأفلام النوعية، التي تميل إلى الرمزية والتجريب، وفي السنوات الأخيرة ظهرت أعمال كثيرة نقدية للمجتمع والسياسة في آن، تكشف التوترات الخفية والقاسية التي تدور في المجتمع الروسي. لا يمكن القول إن هذه المجموعة من الأفلام كافية لتعرض التحوّل الكبير في السينما الروسية اليوم، لكنها بداية.