"مهاجرون جدد" إلى فلسطين
من فرنسا، وقبيل مشاركته في المسيرة الباريسية "ضد الإرهاب"، دعا رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، اليهود الفرنسيين للهجرة إلى "إسرائيل"، بعد أن قُتل 17 شخصاً في هجمات لمسلحين، بينهم أربعة يهود. وقال إن فريقاً من الوزراء سيجتمع للاتفاق على إجراءات لتشجيع هجرة اليهود من فرنسا ودول أوروبية أخرى، ومن يرغب من اليهود في الهجرة إلى "إسرائيل" فسيستقبل بحرارة.
لكن، صبيحة الأربعاء، حمل شاب فلسطيني سكينه، واستقل حافلة للمستوطنين داخل تل أبيب، عاصمة الدولة التي تريد أن تستقبل اليهود المهاجرين، ثم طعن 16 منهم، ليقول ربما إن العمليات الفردية لم تتوقف، والعمليات التكتيكية والاستراتيجية لا تنفعنا هنا داخل الخط الأخضر والقدس، ومن هاجر قديماً إلى فلسطين ليحتلها غير مرحب به، فكيف بمن يريد الهجرة إليها اليوم؟! وربما أراد أن يتميز عن شباب فلسطيني عريض، يتعرض لخطر قبول الأمر الواقع في ظل دولة متطورة كالكيان الإسرائيلي، أو أنه أراد أن يوصف بالجرأة والشجاعة.
قد تكون العملية واجبة في ظل احتلال يعتقل ويقتل ويضيّق على الفلسطينيين كيفما يريد، من دون أن يواجه رداً على مستوى إرهابه فلسطينياً وعربياً وعالمياً، بل على العكس، سلطة تلمّح دوماً إلى رغبتها باستئناف المفاوضات! ودول عربية لا تحرك ساكناً، حتى بما يتعلق بالمقدسات في الأقصى، ومجتمع دولي متردد بالاعتراف بفلسطين!
أراد ذاك الشاب أن يقول هذا كله، وربما أكثر، وهو يعرف أنه سيُستشهد برصاص الاحتلال فور تنفيذ عمليته، أو سيتم اعتقاله ثم هدم منزله ومنزل عائلته وملاحقة أفرادها. ويعرف في المقابل أن لا أحد سيقف معه، وإلا لكان وقف مع شعب محاصر في غزة سنوات يعاني وحده، وهو يعرف حجم المعاناة ومدتها الطويلة، نتيجة خياراته المحقة!
يعرف أن الاحتلال سيستغل العملية، ليتباكى على أمنه الذي يهدده "الإرهاب الفلسطيني والإسلامي"، ليحشر نفسه في عداد دول الغرب المستهدفة.
بل يعرف، أيضاً، أن أقلاماً وأفواهاً عربية وإسلامية ستنتقد عمليته، وتتساءل عن إيجابياتها وسلبياتها، وقد يكون ذلك مبرراً في ظل الحديث العالمي عن الإرهاب من جهة، وعن الاعتراف بفلسطين، من جهة أخرى.
لكن، من المؤكد أن خطاباً يفهمه نتنياهو، يقول إنه لو حاصر أهل غزة، واطمأن لقمع الضفة، واستغل الدماء أينما كانت، ليزيد من شعبيته، يأتي الرد عليه دوماً من صاحب الأرض، من هذا الفلسطيني صاحب الحق الذي لديه شيء يقوله للعالم بأسره، لا لنتنياهو وحده، للعالم معهم العرب، الذي وقف مجتمعاً ضد إرهاب مفترض، ولم يقف معه ضد إرهاب يمارس عليه واقعاً وحقيقة، وليقول لمن يتضامن معه من الشعوب الحرة، ويدافع عن الحق إنه يعبر هو، أيضاً، عن حقه.
تناسى نتنياهو أن في القدس وداخل الخط الأخضر فلسطينيين هم أصحاب الدار، وعلى طريقتهم، ما زالوا يستقبلونه هو وأتباعه الصهاينة وكل من يريد أن يهاجر "للدولة اليهودية" بحرارة من نوع خاص!