"منتدى الخليج" يواصل نقاش الهوية والعلاقات مع واشنطن والتحولات الإقليمية والدولية

02 ديسمبر 2018
الجلسة الختامية الحوارية تنتهي عند السابعة والنصف مساء(معتصم الناصر)
+ الخط -

واصل منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية، اليوم الأحد، فعاليات دورته الخامسة، المنعقدة في مقر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في العاصمة القطرية الدوحة، وعقدت جلسة تناولت "الهوية الخليجية المشتركة: الواقع والتحديات، والآفاق"، فيما عقدت في إطار محور العلاقات الدولية جلسة عمل حملت عنوان" العلاقات الخليجية – الأميركية والتحولات الإقليمية والدولية".

شارك في الجلسة الأولى 3 باحثين، وقدمت طالبة الدكتوراه في برنامج الدراسات الخليجية بجامعة قطر، العنود آل خليفة، ورقة تناولت "مستقبل الهوية الخليجية في ظل الخلافات السياسية بين دول الخليج العربية"، أشارت فيها إلى أن الهوية الخليجية "تواجه اليوم تحديات رئيسة، قد تكون أهمها الخلافات السياسية بين الدول الأعضاء، وغياب رؤية سياسية موحدة لمستقبل المنطقة".

وبيّنت آل خليفة أن هذه الخلافات "أخذت تتّضح بصورة متنامية، على مر السنين بعد الربيع العربي".

فيما تناولت طالبة الدكتوراه في جامعة الشرق الأوسط التقنية بأنقرة، نسيب بَتل أوغلو، في دراستها "تشكيل الهوية والتأثير فيها: المحددات الدولية لتشكّل الهوية في دول الخليج العربية"، وركزت على المحددات الدولية لبناء الهويات الإقليمية والوطنية في بلدان مجلس التعاون لدول الخليج.

وأوضحت أوغلو أن الحجة الأساسية "تكمن في أن العوامل الدولية واحدة من أهم ديناميات تشكيل الهوية في منطقة الخليج العربي؛ نظراً إلى موقعها الفريد في أسواق الطاقة العالمية وما تتمتع به من أهمية استراتيجية".

أما آمال همامي، طالبة الدكتوراه التي تعدّ رسالة مزدوجة الإشراف بين جامعة سوسة بتونس وجامعة هامبورغ الألمانية، فقدمت ورقة بعنوان "الهوية الخليجية مقابل الهوية الأوروبية: دراسة مقارنة في بناء الهوية"، أكدت فيها أن بناء الهوية المحفّز لدراسة الدوافع الكامنة وراء بناء الهوية في الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، إذ إنها سيرورة دمجت في ثناياها العديد من السرديات المختلفة والمتضاربة في الاتحاد الأوروبي، في حين لم تتمكّن من طمس الحدود بين الهويات في الخليج.


العلاقات الخليجية – الأميركية والتحولات الإقليمية والدولية

أول المتحدثين في الجلسة الثانية، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، شفيق الغبرا، الذي سلّط الضوء على "العلاقات الخليجية – الأميركية وتحولاتها في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب"، وانطلق من فرضية مفادها أن انتخاب الرئيس ترامب، في عام 2016، يمثل بداية مرحلة جديدة في العلاقات الخليجية – الأميركية، مشيراً إلى أنه منذ انتخاب ترامب "بدأ الضغط المباشر على دول الخليج العربية للقبول بقرارات أميركية من دون أدنى التفات إلى آراء مؤسسات سيادية وسياسية أميركية، تمتلك معرفة أشمل بالعلاقات الخليجية والعربية بالولايات المتحدة".

واستنتج الغبرا أن العلاقات الخليجية - الأميركية شهدت محاولات عدة، من عدد من دول الخليج العربية، مثل الكويت وقطر وعُمان، من أجل التخفيف من حدة التدخل الأميركي.

وقال إن هذه المحاولات "ترافقت مع ظهور نتائج الانتخابات النصفية الأميركية التي تنبئ بتغير موازين القوى في الولايات المتحدة؛ فنتائج الانتخابات، إلى جانب التغييرات في البيئة الدولية والإقليمية، ستؤثر في السياسة الاندفاعية للرئيس ترامب تجاه جملة من القضايا، من أهمها حرب اليمن وحصار قطر".

أما الباحث والأكاديمي العماني، عبد الله باعبود، فأشار إلى التحولات الجديدة التي تمرّ بها العلاقات السعودية – الأميركية في ظل الإدارة الأميركية الحالية، مع التركيز على المتغيرات الإقليمية والدولية، منذ عهد الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، وصولاً إلى عهد الرئيس الحالي، دونالد ترامب.

وأوضح باعبود أن العلاقات السعودية - الأميركية لم تكن في أفضل حالاتها في عهد أوباما؛ وذلك بسبب الخلاف حول الاتفاق النووي الإيراني، وإقرار قانون "جاستا"، والملفات: السوري، والعراقي، واليمني.

ورأى الباحث أن هذه التغيرات حفّزت قيام ترامب باختيار السعودية في أول زيارة خارجية له، في 20 و21 مايو/ أيار 2017، "وقد اعتُبرت زيارة تاريخية مخالفة لتقاليد من سبقه من رؤساء الولايات المتحدة. وخلالها، تمّ توقيع عدة اتفاقيات بصفقات غير مسبوقة تصل قيمتها إلى مئات المليارات؛ شملت مجالات عدة؛ منها النفط والغاز والتسلح".

وأكّد أن الأزمة الخليجية، ومن ثم اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، فتحت المجال في الآونة الأخيرة لتوتر متصاعد في العلاقات بين إدارة ترامب وبعض دول الخليج.

الورقة الأخيرة في جلسة العلاقات الدولية، قدمها الباحث بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في واشنطن، أسامة أبو أرشيد، وتناول فيها "الموقف الأميركي من الأزمة الخليجية: الخلفيات والآفاق"، شارحاً الارتباك الذي عانته إدارة الرئيس الأميركي، ترامب، مع إعلان السعودية والإمارات والبحرين، إضافة إلى مصر، فرض حصار في يونيو/ حزيران 2017، على دولة قطر، بذريعة دعمها للإرهاب.

وأوضح أبو أرشيد "الانقسام الحاد الذي ساد في مؤسسات الإدارة؛ ففي حين أيّد البيت الأبيض الحصار مع بدء الأزمة، عارضته كل من وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين، غير أن موقف البيت الأبيض، وموقف ترامب شخصياً، بدآ يميلان إلى معارضة الحصار، متأثرين بضغوط وزارتي الخارجية والدفاع، ثمّ بسبب اجتماع القمة الذي جمع ترامب بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في أيلول/ سبتمبر 2017 في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة".

وتطرّق الباحث إلى الحيثيات التي استطاعت من خلالها قطر بنجاح كسر جهود دول الحصار الساعية لعزلها عن الولايات المتحدة الأميركية وتوتير علاقاتها بها، مشيراً إلى أن ترامب نفسه "تدخل مراراً، ضاغطاً على عواصم دول الحصار للتوصل إلى حل سياسي مع قطر".

وفي اليوم الأول من المنتدى، أوضح رئيس وحدة تحليل السياسات في المركز العربي، ومنسق المنتدى، مروان قبلان، في كلمة افتتاحية، أن "المنتدى أطلقه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في ديسمبر/ كانون الأول عام 2014، ليكون بمثابة منبر أكاديمي لدراسة شؤون منطقة الخليج العربي وقضاياها المختلفة"، وأكد أن المنتدى في دورته الخامسة تحوّل إلى واحد من أهم المنتديات الأكاديمية المختصة في شؤون منطقة الخليج، يشارك فيه باحثون من الخليج والوطن العربي والعالم.

وتحت عنوان "أميركا: القوة المهيمنة المترددة"، قدّم الباحث في كلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا، غاري سيك، محاضرة عامة أمس، قال فيها إن "الولايات المتحدة الأميركية تعتبر قوة مهيمنة، فعلاً، في دول الخليج العربية اليوم"، معتبراً أن تاريخ ارتباطها بالمنطقة موسوم بالنفور والريبة والسياسات المتقلّبة. وبالنسبة للتحول في سياسة الولايات المتحدة تجاه دول الخليج العربية، يقول "طرأ في خضم الركود الطويل الأمد الذي طال خلال الحرب الإيرانية - العراقية، ولا سيما بعد كارثة مبيعات الأسلحة السرية إلى إيران. فباتت بعض الدول العربية، مثل الكويت، التي كانت تمانع تنامي الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، تطالب بالحماية الأميركية لناقلاتها النفطية".

وحول سياسة الرئيس الأميركي، تجاه المنطقة، قال سيك، إن "أجندة ترامب (أميركا أولاً) متشابهة تماماً في أهدافها مع ما أسميه عقيدة (أسيكوباما)، وذلك بالتركيز بشكل حصري على المصالح الأساسية للولايات المتحدة، وتقليص البصمة العسكرية الأميركية في الخارج".

وأوضح أن "ترامب روّج للتحالف مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل مع هدف معلن هو مواجهة إيران، وذلك في ظل كراهيته للاتفاق النووي الإيراني، وعودته إلى عقيدة نيكسون".

وفي جلسة قضايا الهوية في دول الخليج العربية وتحدياتها، شارك 3 باحثين، وقدم مدير مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية في جامعة الكويت، محمد غانم الرميحي، بحثاً بعنوان "حول النسيج الاجتماعي في دول الخليج العربية: واقعه وتحدياته"، وقال "إنه خلال نصف قرن تقريباً، انتقلت مجتمعات الخليج من البداوة والبساطة إلى السكن في المدن والتمتع بثمار الحضارة الحديثة، على الأقل في الماديات، ولكن هل انتقلت في السلوك العام والقيم؟".

وأشار إلى "تعاظم التحدي الأمني بشقيه الخارجي والداخلي تجاه دول الخليج، فلم يعد الأمن بمعناه العام (محلياً) ولا حتى (إقليمياً)، إنما أصبح الأمن معولماً بامتياز".

وقدمت أستاذة علم الاجتماع في كلية الآداب والعلوم بجامعة قطر، كلثم الغانم، دراسة بعنوان "الهويات المتعددة في دول الخليج العربية: من القبيلة إلى الدولة الوطنية"، وبحثت الدراسة في مدى قدرة شعوب دول الخليج العربية على تحقيق الانسجام ما بين المسألة التاريخية المتمثلة ببعدها الديني وإرثها التاريخي؛ الذي يحاول إعادة الظهور من جديد في ضوء التحديات الجوهرية الراهنة التي تواجه دول الخليج العربية، وبين الواقع الراهن الذي يعيشه المواطن الخليجي في دول الخليج العربية. وتركز الدراسة على التركيبة البنيوية المتمثلة في وجود القبيلة التي ينتمي إليها سكان دول الخليج العربية؛ التي تعيد إنتاج نفسها، على نحو دوري، بوسائل متعددة، مستفيدةً من العلاقات الاجتماعية، ولعل أهمها زواج الأقارب وقيم النسب والسلالة.

وأشارت الغانم إلى أنه ثمة تعدد هويات وتعدد ولاءات في الخليج، فالأفراد يعرفون أنفسهم بأسرتهم وبقبيلتهم وبدولتهم، مؤكدة أن التفاعل مع مقتضيات العولمة ومظاهر الاستهلاك أدّى إلى أزمة في الهوية اللغوية لدى النشء والشباب في الخليج.

أما الورقة الثالثة فقدمتها مسؤولة الأبحاث في مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، كورتني فريير، وتمحورت حول "التحولات الاجتماعية في بلدان الخليج ومشكلة الهوية والقيم: دراسة دور القبائل في القرن الحادي والعشرين"، وترى الباحثة أن القبائل تظل المؤسسات غير الرسمية الأكثر نفوذاً في المنطقة، نظراً لحقيقة أن الحياة السياسية في الخليج مرتبطة بالحياة الاجتماعية بشكل كبير.

ولفتت فريير إلى أنه على الرغم من أن "شيوخ القبائل قد أصبحوا موظفين بأجر من الدولة"، فإنهم يحتفظون بمصادر للدعم الاجتماعي والسياسي المستقل، وبالتالي فإنه غالباً ما يتمّ التغاضي عن التماسك الاجتماعي والهوية في الأعمال التقليدية المرتبطة بنظرية الدولة الريعية.
وعقدت جلسة صباحية موازية للمحور الدولي حول "أسس العلاقات الخليجية - الأميركية ومحدداتها"، تناول فيها الوزير المستشار في وزارة الخارجية الأميركية السابق، دانيال سيروير، "العوامل الرئيسة في العلاقات الأميركية – الخليجية وتحدياتها"، واعتبر أن إمدادات الطاقة مثّلت أحد العوامل الرئيسة في العلاقات التي تربط بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية، إلى جانب عدم انتشار الأسلحة النووية، والإرهاب، ودعم الحلفاء الإقليميين، لكنه أكد أن "مصالح الولايات المتحدة في الخليج اليوم تركز على مواجهة إيران، وهي مصلحة يمكن أن تؤدي إلى حرب قد تتسبب في أضرار لا يمكن إصلاحها في جميع أنحاء الخليج"، حسب وصفه.

وقال "ينبغي على الخليجيين أن يقللوا من اعتمادهم على القوة العسكرية الأميركية، من خلال تحسين قدراتهم الخاصة لتوصيل النفط عن طريق مضيق هرمز وحمايته من الهجمات الإرهابية أو من إيران، وكذلك من خلال المشاركة في قوة متعددة الجنسيات تشمل الهند، والصين، وكوريا الجنوبية واليابان".

واستعرض الكاتب والباحث مروان بشارة، في ورقته "علاقات دول الخليج العربية بالولايات المتحدة: البحث عن برادايم"، وأشار إلى أن دول الخليج اعتمدت عقوداً طويلة، وبشدّة، على الولايات المتحدة الأميركية من أجل أمنها ورفاهها. وأضاف أنه "لتحقيق هذه الغاية، استثمرت تلك الدول بشكل كبير في علاقاتها الثنائية بالولايات المتحدة، وبالتأكيد أكثر من أي بلد آخر في الشرق الأوسط الكبير أو في العالم النامي، باستثناء إسرائيل. في المقابل، قامت استراتيجية الولايات المتحدة الإقليمية التي صاغتها إبان ذروة الحرب الباردة، في منتصف السبعينيات على الأقل، على علاقاتها الثنائية بالخليج وإسرائيل".

وقال بشارة إن "العلاقة الخليجية – الأميركية تبدو اليوم أكثر وضوحاً، إذ تضاعف بعض دول الخليج استثماراتها السياسية والمالية للضغط على صناع القرار الأميركيين وتنسّق جهودها مع جماعات الضغط الإسرائيلية لتحقيق أقصى تأثير".

كذلك قدّم الباحث في معهد الشرق الأوسط، والأكاديمي في كلية الخدمة الخارجية في جامعة جورجتاون، روس هاريسون، بحثاً عن "التوازن الجديد للقوة في منطقة الخليج العربية ودور الولايات المتحدة الأميركية".

وقال "إن توازن القوى بالمعنى التقليدي غير واقعي، نظراً إلى وجود تفوّق عسكري تقليدي كمي ونوعي فعلي لدول مجلس التعاون، مقارنة بقدرات إيران العسكرية، ومن المرجّح موازنة هذا التفوق من طرف إيران التي لديها خيارات لتعزيز علاقاتها بالمليشيات الإقليمية وروسيا، على نحو قد يولّد حالة غير مرغوب فيها بالنسبة إلى دول التعاون والمنطقة، والولايات المتحدة".