يُشكل مطعم "ملك اللوبيا" في قلب الجزائر العاصمة مفارقة تتمثل في جمعه بين الطبقات المسحوقة في المجتمع، وشخصيات فنية ورياضية مرموقة على طاولة واحدة
يمكنك أن تجد في الجزائر، العاصمة، من يجهل موقع رئاسة الجمهورية أو الحكومة، أو فندق ذي خمس نجوم، لكنك قلما تجد من يجهل موقع "ملك اللوبياء" بشارع طنجة في قلب المدينة، بل إن كثيرين يستدلون به على مواقع البرلمان والمسرح الوطني ومتحف الفن المعاصر والبريد المركزي، التي لا تبعد عنه إلا بمئات الأمتار. إنها سلطة المطعم الشعبي الذي يشتغل بشعار: "من فضل الله إلى فم الفقير".
مجرد زاوية من عشرين متراً مربعاَ، أسفل الفندق السياحي الكبير، تقدم مرق اللوبياء الجافة، مع زيت الزيتون وسلطة الفلفل الحار والسمك المشوي، خطفت الأضواء من مطاعم مصنفة، بعضها يمثل ماركات عالمية، وأصبحت تمثل معلماً يقصده الفقراء والمتسولون والوزراء والجنرالات ونجوم الرياضة والسياسة والفن، ويتساوون في الانتظار عند بابه، حتى يخلو أحد مقاعده التي لا تتجاوز العشرة، كما يتساوون في تناول أكلة يشتركون في الإشادة بخصوصيتها.
لا يخلو بيت جزائري، حتى وإن كان في "حيدرة"، أرقى أحياء العاصمة، من طبق اللوبيا، ولو مرة في الشهر، كما أنه يندر أن تجد جزائرية قليلة الخبرة في إعداده، فما الذي جعله مختلفاً في هذا المحل، حتى نُصّب صاحبه ملكاً في مجاله؟ يقول الهادي، أحد القائمين على المكان: "فرق بين أن تتعلم طبخة أجنبية من خلال الكتب أو الفضائيات، وأن تتعلم طبخة متأصلة في بيئتك من خلال الوراثة. نحن تعلمنا إعداد هذا الطبق على يد صاحب الفكرة أصلاً عمي، علي خليل، الذي يناديه الجميع بالمورو، والذي كان يقبل أن يصفعه مساعدوه على أن يُخلّوا بالوصفة السحرية.
سخّر عمي المورو المحل لبيع الخضر والفواكه، مباشرة بعد الاستقلال الوطني مطلع ستينيات القرن الشرين، ثم حوّله إلى محل متخصص في طبق اللوبيا يوم الأربعاء 27 ديسمبر/كانون الأول 1978، وهو اليوم نفسه الذي رحل فيه الرئيس هواري بومدين. كان يقول بحسب أحد مساعديه القدماء: "فتحت مطعماً للفقراء في نفس يوم رحيل رئيس الفقراء"، وقد بقي وفياً لهذا البعد الإنساني في "تجارته" إلى غاية رحيله قبل ثلاث سنوات، مباشرة بعد زيارته للبقاع المقدسة: "لقد أوصى ألا يُغلق المحل يوم جنازته، وأن يُطعم كل من يدخله مجاناً".
تشبه وجبة الصباح عند الجزائريين الوجبة الفرنسية، تخلو من الأطباق الدسمة، لذلك يندر أن يجد السائح المشرقي في الجزائر العاصمة، مطعماً يقدم له فطوراً دسماً، ما عدا "ملك اللوبيا" فإنه يكون جاهزاً مع الساعة الثامنة، بينما لا وقت محدداً لإغلاقه، فهو يفعل ذلك بمجرد انتهاء الكمية التي لا تقل عن 500 وجبة في اليوم، يذهب شطر منها إلى المعدمين الذين لا يملكون فلساً، وما بقي يُدفع فيه دولار واحد.
اقــرأ أيضاً
يمكنك أن تجد في الجزائر، العاصمة، من يجهل موقع رئاسة الجمهورية أو الحكومة، أو فندق ذي خمس نجوم، لكنك قلما تجد من يجهل موقع "ملك اللوبياء" بشارع طنجة في قلب المدينة، بل إن كثيرين يستدلون به على مواقع البرلمان والمسرح الوطني ومتحف الفن المعاصر والبريد المركزي، التي لا تبعد عنه إلا بمئات الأمتار. إنها سلطة المطعم الشعبي الذي يشتغل بشعار: "من فضل الله إلى فم الفقير".
مجرد زاوية من عشرين متراً مربعاَ، أسفل الفندق السياحي الكبير، تقدم مرق اللوبياء الجافة، مع زيت الزيتون وسلطة الفلفل الحار والسمك المشوي، خطفت الأضواء من مطاعم مصنفة، بعضها يمثل ماركات عالمية، وأصبحت تمثل معلماً يقصده الفقراء والمتسولون والوزراء والجنرالات ونجوم الرياضة والسياسة والفن، ويتساوون في الانتظار عند بابه، حتى يخلو أحد مقاعده التي لا تتجاوز العشرة، كما يتساوون في تناول أكلة يشتركون في الإشادة بخصوصيتها.
لا يخلو بيت جزائري، حتى وإن كان في "حيدرة"، أرقى أحياء العاصمة، من طبق اللوبيا، ولو مرة في الشهر، كما أنه يندر أن تجد جزائرية قليلة الخبرة في إعداده، فما الذي جعله مختلفاً في هذا المحل، حتى نُصّب صاحبه ملكاً في مجاله؟ يقول الهادي، أحد القائمين على المكان: "فرق بين أن تتعلم طبخة أجنبية من خلال الكتب أو الفضائيات، وأن تتعلم طبخة متأصلة في بيئتك من خلال الوراثة. نحن تعلمنا إعداد هذا الطبق على يد صاحب الفكرة أصلاً عمي، علي خليل، الذي يناديه الجميع بالمورو، والذي كان يقبل أن يصفعه مساعدوه على أن يُخلّوا بالوصفة السحرية.
سخّر عمي المورو المحل لبيع الخضر والفواكه، مباشرة بعد الاستقلال الوطني مطلع ستينيات القرن الشرين، ثم حوّله إلى محل متخصص في طبق اللوبيا يوم الأربعاء 27 ديسمبر/كانون الأول 1978، وهو اليوم نفسه الذي رحل فيه الرئيس هواري بومدين. كان يقول بحسب أحد مساعديه القدماء: "فتحت مطعماً للفقراء في نفس يوم رحيل رئيس الفقراء"، وقد بقي وفياً لهذا البعد الإنساني في "تجارته" إلى غاية رحيله قبل ثلاث سنوات، مباشرة بعد زيارته للبقاع المقدسة: "لقد أوصى ألا يُغلق المحل يوم جنازته، وأن يُطعم كل من يدخله مجاناً".
تشبه وجبة الصباح عند الجزائريين الوجبة الفرنسية، تخلو من الأطباق الدسمة، لذلك يندر أن يجد السائح المشرقي في الجزائر العاصمة، مطعماً يقدم له فطوراً دسماً، ما عدا "ملك اللوبيا" فإنه يكون جاهزاً مع الساعة الثامنة، بينما لا وقت محدداً لإغلاقه، فهو يفعل ذلك بمجرد انتهاء الكمية التي لا تقل عن 500 وجبة في اليوم، يذهب شطر منها إلى المعدمين الذين لا يملكون فلساً، وما بقي يُدفع فيه دولار واحد.
يقول مسير المطعم إنهم يستقبلون الوزراء والسفراء والجنرالات والشخصيات العامة، بنفس الحفاوة التي يستقبلون بها المتسولين وحمّالي الميناء واللاجئين الأفارقة، مع غياب تام للاحتجاج والامتعاض، "لطالما تساءلت في نفسي: هناك فضاء في الجزائر يجمع هذه الشرائح في طاولة واحدة؟ إنهم لا يلتقون حتى في المقابر. هل تشبه مقبرة العالية، حيث يُدفن رؤوس الدولة، مقبرة القطّار التي تستقبل أبناء الشعب؟". يضيف: "من بين من استقبلنا هنا وزيرة الثقافة خليدة تومي وصديقتها زهرة ظريف، إحدى بطلات ثورة التحرير وعضو مجلس الأمة، والهادي خالدي وزير التكوين المهني، ومحمد السعيد وزير الاتصال، وموسى تواتي المترشح الرئاسي. أما نواب البرلمان، فإن الواحد منهم يزورنا مرتين في الشهر على الأقل، رغم أنهم يملكون مطعماً خاصاً".
هنا روى لنا محدثنا أن زبونين مرة كانا يقولان إن الجنرالات يأكلون في مطاعم خاصة، ولا يعرفون ما يأكله الشعب، مما أثار حفيظة زبون آخر كان يشاركهما نفس الطاولة، فأخرج بطاقته المهنية ووضعها أمامهما. كان جنرالاً حقيقياً، فما كان منهما إلا أن اعتذرا منه، ونقلا له معاناتهما مع البطالة التي أنهاها بعد يومين، حيث شغلهما حارسين ليليين في حديقة عمومية. وأشار إلى شاب قبالة المحل يحمل ملفاً: "إنه يبحث عن عمل، ولأنه يعلم أن المكان مقصود من الأوزان الثقيلة، فقد جاء عله يلتقي أحدهم فيساعده". قال لنا الشاب إنه يملك شهادة علمية في الزراعة، غير أنها لم تنفعه مع الإدارة الجزائرية، وبقي بطالاً منذ سبع سنوات، "أخبرني صديقي أنه التقى وزير التكوين المهني هنا، وعرض عليه حاجته إلى وظيفة فشغله، وها أنا أفعل مثله، أعطيت ملفاً لرئيس كتلة حزب العمال في البرلمان، وأريد أن أعطي آخر لشخصية أخرى، من باب التأكيد".
اقــرأ أيضاً
هنا روى لنا محدثنا أن زبونين مرة كانا يقولان إن الجنرالات يأكلون في مطاعم خاصة، ولا يعرفون ما يأكله الشعب، مما أثار حفيظة زبون آخر كان يشاركهما نفس الطاولة، فأخرج بطاقته المهنية ووضعها أمامهما. كان جنرالاً حقيقياً، فما كان منهما إلا أن اعتذرا منه، ونقلا له معاناتهما مع البطالة التي أنهاها بعد يومين، حيث شغلهما حارسين ليليين في حديقة عمومية. وأشار إلى شاب قبالة المحل يحمل ملفاً: "إنه يبحث عن عمل، ولأنه يعلم أن المكان مقصود من الأوزان الثقيلة، فقد جاء عله يلتقي أحدهم فيساعده". قال لنا الشاب إنه يملك شهادة علمية في الزراعة، غير أنها لم تنفعه مع الإدارة الجزائرية، وبقي بطالاً منذ سبع سنوات، "أخبرني صديقي أنه التقى وزير التكوين المهني هنا، وعرض عليه حاجته إلى وظيفة فشغله، وها أنا أفعل مثله، أعطيت ملفاً لرئيس كتلة حزب العمال في البرلمان، وأريد أن أعطي آخر لشخصية أخرى، من باب التأكيد".