رغم الجدل المتواصل حول نشأة الفن التشكيلي المعاصر في العالم العربي منذ منتصف القرن التاسع عشر، نظراً لاختلاف مفهومه وتجاذبه بين التراث والحداثة، فإنه يمكن القول إن تكريس اللوحة المسندية عربياً ترسّخ في القرن الماضي وفق تأثيرات الدارسين الأوائل من بلدان المنطقة للفنون في المعاهد الغربية.
وبدأ الجيل الأول من التشكيليين؛ خاصةً في لبنان ثم مصر، يقدّم أعمالاً تحاكي ما تلقّاه من معرفة وممارسة أكاديمية، كالاشتغال على البورتريه الشخصي والطبيعة وتصوير الحياة اليومية وصولاً إلى التجريد، لكن التجارب التي ورثتهم لاحقاً عكست بشكل أوسع الواقع الاجتماعي والسياسي وتمثّلت ظواهره وتحوّلاته المتسارعة.
في معرض "ملامح المذهب الذاتي" الذي افتتح أمس في "المتحف الوطني الأردني" في عمّان بالتعاون مع "مؤسسة برجيل للفنون" الإماراتية، تُبرز اللوحات المنتخبة لعدد من روّاد الفن التشكيلي العربي، ما هو أبعد من توثيق مرحلة التأسيس؛ إذ نتلمّس بدايات البحث في الفن لدى كلّ تشكيلي، وطبيعة اختيارات مواضيعه وتطوّر التقنيات والمعالجات لها.
يضمّ المعرض الذي يتواصل حتى الحادي والثلاثين من أيار/ مايو المقبل، أعمالاً لـ سعد الخادم ومحمد ناجي وجورج حنا صبّاغ ومارغريت نخلة وكليا بدارو وكامل مصطفى وراغب عياد من مصر، وعبد القادر الرسام وفائق حسن من العراق، وعبد الله القصّار من الكويت، في تنويعات ضمن محاولاتهم لاكتشاف المكان من حولهم، وتقديم المشاهد الطبيعة في بلدانهم، ويشترك أغلبهم في تصويرها بحياد أقرب إلى الفوتوغراف.
في مقابل ذلك، اشتغل آخرون ينتمون إلى الحقبة ذاتها الممتدّة من ثمانينيات القرن التاسع عشر وحتى سبعينيات القرن العشرين، على رسم البورتريه والجسد وتشريح تفاصيله، ومنهم حزقيال باروخ وإلياس الزيات وعبد الهادي الجزار وايرفاند دمرجيان من مصر، وحبيب سرور وجبران خليل جبران من لبنان، وإبراهيم الصلاحي من السودان، ولؤي كيالي وأحمد نشأت الزعبي من سورية، وحاتم المكي من تونس، ومنى السعودي من الأردن. وباستثناءات قليلة بدت الشخصيات في اللوحة خارجة عن مكانها وزمانها كما لو أنها متخيّلة.
ذهَب آخرون إلى التجريد مع تأثيرات بسيطة مستمدّة من ألوان الطبيعة المحيطة ولاحقاً من معمارهم المحلي، مثل هوغيت كالاند وبول غيراغوسيان من لبنان، وفي هذه الأعمال تظهر بوضوح منهجيات متأثّرة بفنانين أوروبيين.
تجارب امتدت نحو قرن قد لا يعني جزء منها سوى الدارسين، لكنها تؤشّر كيف عشنا سنواته وعبّرنا عنه بالفن.