أثار قرار رئيس الحكومة العراقية، عادل عبد المهدي، سحب قوات مكافحة الإرهاب من محافظة كركوك، قبيل ساعات من قبول الأكراد بإقرار موازنة العام 2019 بقيمة 133 تريليون دينار (112 مليار دولار)، بعد رفض دام لأشهر عدة، مخاوف على مستقبل المحافظة المتنازع عليها بين الطرفين، في وقت أشار فيه مسؤولون بارزون إلى "مكاسب قومية" للأكراد وكذلك في الموازنة التي أقرها البرلمان العراقي ليل الأربعاء الخميس، على حساب باقي المحافظات. وتحدّث المسؤولون عن صفقة جرت خلف الكواليس بين الجانبين، قد تكون كركوك ضحية لها، في وقت تحاول الحكومة الحصول على تأييد كردي، وامتصاص التصعيد في المحافظة.
وفي السياق، قال مسؤول سياسي مطّلع، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الحوارات والاتصالات التي أجريت بين المسؤولين الأكراد ورئيس الحكومة، أخيراً، ركّزت على بحث المواضيع المختلف عليها بين الطرفين، ومنها قضيتا الموازنة وكركوك"، موضحاً أنّ "عبد المهدي قدّم تعهدات للأكراد بشأن حسم ملف كركوك، في حال موافقة النواب الأكراد على التصويت على الموازنة". وأشار المسؤول إلى أنّ "التوافقات بشأن الموضوع ما زالت غامضة حتى الآن، وقرار عبد المهدي بسحب قوات مكافحة الإرهاب من كركوك، كان جزءاً من هذه الاتفاقات".
من جانبه، قال نائب رئيس الحكومة السابق، القيادي في التيار الصدري، بهاء الأعرجي، إنّ "الموازنة لم تكتب وفق معايير فنية ومالية، بل هناك أياد كتبت بعض الفقرات فيها لتحقيق فوائد قومية أو فوائد محافظاتية على حساب محافظات أخرى"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الموازنات في كل دول العالم يضعها مختصون ولا يضعها السياسيون، فالمختصون يحددون احتياجات كل محافظة من واردات تتناسب مع نسبة سكانها".
وأكد الأعرجي أنّه "منذ العام 2003، لم تتجاوز رواتب قوات البشمركة الكردية المائتي مليار دينار عراقي، لكن في هذه الموازنة تجاوزت الـ500 مليار"، موضحاً أنّ "هذه الزيادة تؤشر إلى أنّ حصة الإقليم ستكون 20 في المائة من الموازنة". وشدّد على أنه "لا يمكن أن يكون هذا الإجراء على حساب محافظاتنا في الوسط والجنوب أو المحافظات التي دفعت ضريبة احتلال تنظيم داعش"، موضحاً أيضاً أنّ "هناك خلطاً في هذه المحافظات، فنرى بعضها قد أخذ حصة الأسد وهي من ناحية الإعمار أفضل من المحافظات الأخرى، ونسبة سكانها أقل بكثير من محافظات كالبصرة أو الأنبار أو الموصل".
كذلك، عبّر مسؤولون في محافظة كركوك عن مخاوفهم من "الاتفاقات المشبوهة" بخصوص المحافظة. وقال رئيس "الجبهة التركمانية" في كركوك، النائب أرشد الصالحي، في بيان صحافي أخيراً: "على بغداد وأربيل أن لا تجعلا المحافظة (الضحية الثانية) بعد الموصل، من خلال الاتفاقات المشبوهة"، مشدداً على أنّ "كركوك تتعرّض إلى تحديات أمنية وسياسية، وعلى حكومة الإقليم وبغداد عدم خلط الأوراق فيها". وحذّر من أنّ "أي فوضى في كركوك ستكون نتائجها كارثية، ويجب أن لا تكون ساحة صراع سياسي".
اقــرأ أيضاً
ولم يعلم البرلمانيون العراقيون بعد كيف تمّ التوافق بشأن زيادة حصة الإقليم من الموازنة، منتقدين "عدم العدالة" بتوزيع النسب بين المحافظات. وفي هذا الإطار، قال النائب عن تحالف "سائرون"، سلام الشمري، في حديث مع "العربي الجديد": "هناك زيادة لحصة إقليم كردستان بنسبة مائة مليار دينار، وقد تمت إضافة البشمركة وموظفي الإقليم إلى الحكومة الاتحادية، مقابل أن تكون الإيرادات النفطية للمركز"، داعياً الإقليم إلى أن "يلتزم بهذا الاتفاق وألا يستحوذ على النفط وآباره، بعدما أصبحت موازنته عالية جداً، وغير مشمولة بالمخصصات السكانية أو بالكثافة السكانية في جميع محافظات الفرات الأوسط والجنوب".
وأكد الشمري أنّ "هناك تقصيراً ملحوظاً وأموالاً قليلة خصصت للمحافظات المحررة التي هاجمها داعش، وكذلك بالنسبة للمحافظات الجنوبية، وهو ما استثنى منه إقليم كردستان"، داعياً رئيس الحكومة واللجنة المالية إلى "زيادة المخصصات المالية للمحافظات التي عصف بها الإرهاب وشملها خارج التخصيص والكثافة السكانية، فهذه المناطق تحتاج لبنى تحتية وخدمات وبناء مدارس ومستشفيات وتحتاج لزيادة ملحوظة في الموازنة الحالية".
وتعليقاً على الموضوع نفسه، قال الخبير السياسي همام العلي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ملامح التوافقات بين بغداد وأربيل تؤشر إلى مكاسب كردية واضحة، خصوصاً مع قرار انسحاب قوات مكافحة الإرهاب منها، والتي يستفز وجودها الأكراد، كونها القوة التي اقتحمت كركوك عقب الاستفتاء الذي أجرته حكومة كردستان". وأشار إلى أنّ "التهدئة بالمحافظة مطلوبة لجميع الأطراف، لكن يجب ألا تكون على حساب تحقيق المصلحة العامة". وأكّد العلي أنّ "الموقف سيبقى مثيراً للقلق في كركوك حتى تتضح معالم التوافق بشأنها".
ولطالما كان موضوع الموازنة موضع خلاف بين حكومتي بغداد وأربيل طوال الدورات البرلمانية السابقة، في وقت لم يحقق الإقليم مكاسب في الدورات السابقة كالتي حققها في الموازنة الحالية.
وملف محافظة كركوك ومستقبلها يعدّ من أكثر الملفات تعقيداً في العراق. فلم تستطع الحكومات المتعاقبة منذ العام 2003، التوصّل لحلّ توافقي مع الأكراد بشأنه، إذ يتمسّك الأخيرون بضم المحافظة إلى إقليم كردستان.