ربّما لم يشغل بال آلاف السوريّين الذين قرروا المجازفة عبر البحر للوصول إلى أوروبا، المكان الذي ستوارى فيه جثامينهم الثرى، في حال غرقوا. هؤلاء الذين فقدوا بيوتهم وأراضيهم ومصادر أرزاقهم، لا يرغبون في أن يضمهم قبر يحمل رقماً، ولا يميّز إن كان الميّت رجلاً أم امرأة أم طفلاً، وأن يصلي عليهم شيخ تركي لوحده، من دون أن يكون هناك أناس إلى جانبه.
لكن هذا كان مصير عشرات الذين قضوا غرقاً قبالة شواطئ مدينة أزمير التركية، وقد دفنوا في مقبرة تابعة للمدينة وتحمل اسم "دوغانشاي".
أُطلق عليها "مقبرة الأرقام"، إذ تُدفن فيها جثامين الغرقى، من دون أن تتمكن السلطات من معرفة أية معلومات عنهم، غير تاريخ ومكان انتهاء رحلتهم. يصلّي إمام أحد الجوامع في المدينة، وهو أحمد ألتان، على الجثامين، من دون أن يعنيه دين الضحية. يتلو صلاته بقلب حزين ويبكي أحياناً. يقول: "حين يتعلّق الأمر بالأطفال، يكون الصمود صعباً".
هذه المقبرة التي خصصت منذ بداية النزوح السوري للغرقى مجهولي الهوية، تضم مئات القبور مع شواهد تحمل أرقاماً خاصة بالغرقى، تشير إلى تاريخ انتشالهم من البحر. وعلى الرغم من هذا المصير المحتمل، ما زال آلاف المهاجرين يحاولون خوض غمار التجربة المرّة للوصول إلى بلاد تمنحهم حياة كريمة.
وتجدر الإشارة إلى أن المنظمة الدولية للهجرة كانت قد أعلنت أن 3771 شخصاً غرقوا خلال محاولتهم الوصول إلى أوروبا العام الماضي، منهم 805 مهاجرين غرقوا في بحر إيجة في أثناء محاولتهم الوصول إلى اليونان، في حين تمكن أكثر من 847 ألف مهاجر من الوصول إلى اليونان عبر البحر.
من جهة أخرى، تشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن نحو 500 ألف سوري وصلوا إلى تركيا العام الماضي، وانطلقوا منها إلى دول الاتحاد الأوروبي المختلفة.
وأعلنت المفوضية السامية، التابعة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمنظمة الدولية للهجرة، أن "عدد اللاجئين والمهاجرين، الذين وصلوا براً وبحراً إلى الاتحاد الأوروبي، تجاوز المليون عام 2015، بينما توفي أو فقد نحو 3600 شخص". وأشار تقرير صحافي إلى أن السلطات التركية داهمت ورشة في مدينة أزمير الساحلية، على بحر إيجة، وضبطت أكثر من 1200 سترة نجاة غير صالحة للاستخدام، كانت ستباع للمهاجرين. وأعلنت صحيفة "حرييت" التركية أن مداهمة الورشة تزامنت مع غرق عشرات الجثث في حادثي قاربين منفصلين. وذكرت أن سترات النجاة كانت مصنوعة من مواد لا تطفو بل تصبح ثقيلة عندما تتشبع بالمياه، وتؤدي إلى غرق من يرتديها.
اقرأ أيضاً: لن نجازف