"مقاهي التطوع" للنقاش والعمل الخيري في الجزائر

10 يناير 2020
تصل المبادرات إلى المناطق النائية (رضا/ Getty)
+ الخط -

تشهد الجزائر انتشاراً واسعاً لفرص العمل التطوعية والخيرية، إذ يسعى الشباب للاستثمار في توعية غيرهم، في مختلف المجالات، في ما يتجاوز إغاثة الفقراء والأيتام، والدخول إلى التعليم، والنقاش حول قضايا مجتمعية

أطلقت جمعية "الإكرام لتوجيه الشباب" في عنابة، شرقي الجزائر "مقهى التطوع" الذي جمعت فيه الشباب ومعهم مدرسون وأساتذة، لمناقشة سبل تعزيز العمل التطوعي عن طريق التعليم، والتبادل المعرفي الثقافي، وفتح مساحة خاصة للمهتمين بالقراءة، علاوة على العمل الخيري على مستوى ولايات جزائرية عدة، من خلال "مقاهي التطوع" المماثلة له.

كثيرة هي المبادرات التي يطرحها الشباب من الجامعيين والعاطلين من العمل، والمدرسون والأساتذة والمواطنون، في الجزائر، لتصب في صالح العمل الخيري، بينما يركز البعض على التطوع المدني، إذ ينشطون في جمعيات تقدم يد العون للفقراء والفئات الهشة في المجتمع الجزائري. وارتأى آخرون أن يضيفوا إلى هذا العمل الاجتماعي مساحات أخرى تجمع التلاميذ والطلاب، وتخلق توعية بالتنمية الذاتية.




اجتمع ستون جزائرياً، معظمهم من الشباب، حول موائد مستديرة، في مقهى التطوع. وعن هذا، تؤكد ليلى بودراع أنّ النقاش الأهم في هذا المكان يتمثل في تحويل فكرة التطوع إلى التوجه نحو الضواحي، والمدن البعيدة عن مقرات الولايات، بهدف "لفت انتباه الشباب، خصوصاً التلاميذ إلى ضرورة المشاركة في شبكات العمل الاجتماعي، وتحفيزهم من خلال نشاطات تعليمية وتوعوية وترفيهية". توضح لـ"العربي الجديد" أنّ هذه الشبكات الاجتماعية في الفضاء العام من شأنها أن تمنح المشاركين فيها فرصة لتحويل أفكارهم إلى فعل، وتحميهم من مخاطر بعض الظواهر الاجتماعية الخطيرة مثل تعاطي المخدرات".

أهداف عديدة وراء تأسيس مقاهي التطوّع التي بدأت تكتسح بعض الولايات الجزائرية، إذ يطمح الشباب المشاركون فيها من قبل جمعيات خيرية أو نوادٍ ثقافية، إلى تفعيل التبادل في ما بينهم، والالتقاء مرة شهرياً لعرض مختلف الآراء والإنجازات الممكن تحقيقها على صعيد العمل المدني والخيري. يقول الناشط في جمعية "ناس الخير" في شلغوم العيد، في ولاية ميلة، شرقي الجزائر، عبد العالي مسعودي لـ"العربي الجديد": "في السابق، اعتمدت الجمعية على جمع التبرعات من المحسنين في المنطقة وتوزيعها على الأسر الفقيرة، بينما بات من الواضح الآن، أنّ الأمر يتجاوز التبرع، باتجاه نشر الوعي وثقافة العمل والاجتهاد في مشاريع صغيرة، تحمي الأفراد من التسوّل غير المباشر".

أطلقت الجمعية، بحسب مسعودي، مبادرة حملت عنوان "تلاميذ الخير" وهي مبادرة لتوعية التلاميذ وفتح باب المساعدات من بعض الجامعيين لتقديم دروس مجانية لدعم التلاميذ الذين حصلوا على نتائج سيئة في الفصل الأول الدراسي من العام الجاري، وذلك في قرى ومناطق نائية. المبادرة "لقيت استحساناً من العائلات الفقيرة التي تعتبر الإنفاق على التعليم في المستوى الثاني بعد الإنفاق على الغذاء والملابس" بحسب مسعودي الذي يضيف أنّ "التطوع يتفرع إلى عدة أقسام، ومن الجميل أن يكون أهم قسم فيه هو التعليم ونشر المعرفة وتوعية النشء".

اللافت أنّ بعض النوادي، اقتصرت على العمل الرياضي، والترفيه، فيما غابت عنها بعض النشاطات التربوية وأصبحت تجلب إليها الشباب من أجل قضاء فترة للتسلية واللعب فقط، وهو ما دفع عدة جمعيات إلى إعادة تنظيم نفسها وخلق نشاطات عدة لجذب المواهب في الكتابة والرسم والموسيقى، يشرف عليها اختصاصيون ويقدمون دروساً بالمجان لصالح الصغار والشباب من مختلف الأعمار.

وهنا تطرح بعض الجمعيات مشكلة إعادة تأهيل الشباب وإنقاذهم من تعاطي المخدرات، التي شهدت انتشاراً في المدارس والأحياء الشعبية في الجزائر، بحسب آسيا عماري لـ"العربي الجديد" وهي إحدى الناشطات في جمعية "بادر" من ولاية وهران غربي الجزائر، التي تهتم بالمبادرات الشبابية عبر مختلف مدارس المنطقة وتنظم عدة تظاهرات أسبوعية لصالح التلاميذ، والشباب، كما تنظم رحلات تثقيفية إلى الأماكن السياحية التي تزخر بها الولاية، والولايات المجاورة.




من جهتها، تقول الاختصاصية في علم الاجتماع، سامية بلمنور، لـ"العربي الجديد" إنّ التطوع "فكرة إنسانية بعيدة عن هدف جني المال، بل هي مبادرات يشعر المتطوع من خلالها بالانتماء إلى الحيّ والمجتمع، وهذه العملية من شأنها أن تسهم في تلبية الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية لأفراد الحي والمحيط والقرية والمجتمع بشكل أوسع".

يصرّ المتطوعون على ضرورة تلقي تدريبات في أساليب التطوع، وتكييف نشاطاتهم بحسب احتياجات المنطقة المستهدفة، وتعزيز قدرات المتطوعين مع ما في ذلك من تعزيز للدوافع والجهوزية لأداء المهام، وبث روح التطوع بين أبناء المجتمع منذ الصغر، بالرغم من غياب اللوائح والتنظيمات الواضحة حول تنظيم العمل التطوعي عموماً.
المساهمون