"مفترق الطرق" لـ جوديث بتلر: مقاومة الطمس

26 سبتمبر 2017
(جوديث بتلر)
+ الخط -

لا تزال أستاذة الأدب المقارن والباحثة الأميركية جوديث بتلر (1956) تثير جدلاً في أوساط أكاديمية وسياسية غربية بسبب آرائها المناهضة لسياسات الاحتلال الصهيوني الاستعمارية، كما في كتابها "مفترق الطرق: اليهودية ونقد الصهيونية" (2012)، الذي صدرت ترجمته مؤخّراً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" ضمن سلسلة "ترجمان".

تسعى صاحبة "الخطاب المثير: سياسات الأداء" (1997) في كتابها الذي نقلته إلى العربية المترجمة السورية نور حريري، إلى فضح الزعم القائل إنّ كل انتقاد لـ"إسرائيل" هو معاداة للسامية، مستندةً إلى مصادر يهودية تنتقد عنف دولة "إسرائيل" وقهرها الاستعماري للسكان الفلسطينيين وترحيلهم وطردهم؛ بمعنى أن بتلر تحاول أن تُبيّن أن ثمة نقداً يهودياً أيضاً لعنف الاحتلال الإسرائيلي، وأن ثمة قيماً يهوديةً تحكم التعايش مع غير اليهود، وهي جزء من الجوهر الخُلقي الفعلي لليهودية الشتاتية.

في المدخل "الافتراق عن الذات والمنفى ونقد الصهيونية"، تؤكد بتلر مواجهتها عديداً من المشكلات عند تبيانها وجود تقاليد يهودية إلزامية تُعارض عنف الدولة وأنماط الطرد والتطويق الاستعماريين. فحين تزعم أن ثمة تقليداً يهودياً عريقاً يؤكد أنماط العدالة والمساواة التي من شأنها أن تُفضي بالضرورة إلى نقد الدولة الإسرائيلية، تكون قد صاغت منظوراً يهودياً غير صهيوني، بل معاديًا للصهيونية، مجازفةً حتى بتحويل مقاومة الصهيونية إلى قيمة يهودية، ومؤكدةً بذلك المصادر الأخلاقية الاستثنائية لليهودية، "لكن كي يكون نقد الصهيونية فاعلاً وأساسياً يجب رفض ادعاء الاستثنائية هذا لمصلحة قيم ديمقراطية أكثر جوهرية".

يتألّف الكتاب من ثمانية فصول؛ الأول بعنوان "مهمة ضرورية ومستحيلة: سعيد وليفيناس والمطلب الأخلاقي"، والثاني "غير قادر على القتل: ليفيناس ضد ليفيناس"، والثالث "والتر بنيامين ونقد العنف"، والرابع "الوميض: سياسة بنيامين المشيحانية".

تعنون بتلر الفصل الخامس، بـ"هل الديانة اليهودية صهيونية؟ أو آرندت ونقد الدولة – الأمة"، وفيه ترفض الفصل بين اليهود والأمم المزعومة الأخرى التي اضطهدتها النازية باسم تعددية متساوية في امتدادها مع حياة الإنسان في أشكالها الثقافية كلها. وفي الفصل السادس، "مآزق التعددي: التعايش والسيادة عند آرندت"، تقول المؤلفة إن فكرة آرندت للتعايش تنبع من أن الحصول على وطن لليهود حصراً على أرض بسكان فلسطينيين ليس ممكناً، وتعرض نشوء هذا المفهوم للتعايش جزئياً من حالة المنفى.

يحمل الفصل السابع عنوان "بريمو ليفي الآن"، أما الفصل الثامن والأخير، "ماذا سنفعل من دون منفى؟ سعيد ودرويش يخاطبان المستقبل"، فتخلص المؤلفة فيه إلى أن أيّ تقدم إلى المستقبل لن يكون مفيداً إذا أخفق في مقاومة الطمس. ومع هذا، فإن كثيراً من المقاربات العملية المفترضة لمسألة فلسطين يعتمد على هذا الطمس، ولا يمكن مجموعة من الحوادث أن تنشأ بوصفها تاريخية إلا إذا لم يتم طمسها. وفي رأيها، النضال ضد طمس النكبة ضروري لأي تحرك إلى الأمام، ويتطلب النسيان الذي تهدد النكبة بالوقوع في طيّاته، رفضَ التحريفية واستخدامات النسيان للإنتاج والبقاء.

المساهمون