"مغسلة" سودربيرغ: تماه غير موفَّق

24 نوفمبر 2019
المخرج ستيفن سودربيرغ (Getty)
+ الخط -
عام 2000، أنجز ستيفن سودربيرغ فيلمه الشهير "إيرين بروكوفيتش" Erin Brockovich (تمثيل جوليا روبرتس)، مُقتبساً الفيلم عن قصّة حقيقية لسيدة أميركية، تشنّ حرباً قضائية ضد شركة كهرباء ضخمة، بسبب إفسادها مياه الشرب الخاصة بالمدينة. شكل الفيلم درامي تقليدي، استفاد من القوّة العاطفية التي بثّها الممثلون فيه، فحقّق نجاحاً كبيراً، نقدياً وجماهيرياً.

بعد 19 عاماً، أنجز سودربيرغ فيلماً جديداً، بعنوان "المغسلة (The Laundromat)"، معطياته مشابهة لفيلمه السابق: قصّة حقيقية، عن امرأة تخوض حرباً ضد شركة ضخمة، من أجل حقوقها وحقوق الآخرين. لكن الفرق كامنٌ في أنّ المخرج قرّر، هذه المرّة، التلاعب في طريقة سرد القصّة، وفي القالب الفنّي الذي يقدّمها فيه. أما النتيجة، فلم تكن جيّدة على الإطلاق. ذلك أنّ هذه الدرجة العالية من التجريب العشوائي، صنعت فيلماً تائهاً وضبابياً ومشتتاً إلى حدّ بعيد. يرتكز الفيلم أساسا على "وثائق بنما" السرّية التي تمّ تسريبها عام 2016، والتي فضحت شركة "موساك وفونيسكا" للخدمات القانونية، والتي تعمل على غسل الأموال، والمساعدة على التهرّب الضريبي. وكشفت الفضيحة أسماء آلاف المتورّطين، وبينهم مشاهير في المجالات كلّها.

يبدأ "المغسلة" من نقطة انطلاق أصغر بكثيرٍ من هذا كلّه: بسبب وفاة زوجها إثر حادث مأسوي (غرق عَبّارة)، تُضطرّ "إيلّن مارتن" (ميريل ستريب) إلى فهم قوانين التعويضات، بسبب تقلّصها المريب، فتدخل في دوّامة لا تنتهي من الحيل والتلاعب بالقوانين، قبل الوصول إلى السيدين موساك وفونيسكا، المليارديرين اللذين يظهران طول الفيلم بشكلٍ موازٍ لقصّة إيلّن، ويتحدثان (عبر كسر الحائط الرابع) عن قوانين المال، والمفاهيم المعقّدة المرتبطة به.


يمتلك سودربيرغ المقوّمات كلّها لصنع فيلم جيد، موضوعًا وممثلين (ستريب وغاري أولدمان تحديداً)، وحريّة مطلقة منحتها له شبكة "نيتفليكس"، فصوّر الفيلم وألفه وأخرجه بنفسه، برؤيته الفنية. لكن، بدا واضحاً أنّ أكثر ما افتقده، هو نوعية المشاعر التي ينقلها إلى المتفرّج.

فهل نشاهد حكاية درامية عن "إيلّن مارتن"، تدعو إلى التعاطف والتأثّر؟ أم فيلماً ذا قالب كوميدي، يتحدث أبطاله بسخرية عن قوانين إدارة الأموال؟ أم فيلماً ذا حسّ عبثي، تتداخل فيه الخطوط والتفاصيل؟

يقفز الفيلم بين حكايات مختلفة غير مترابطة، ذات فصول يُعطى لكلٍّ منها اسم، مع شخصيات كثيرة، بالكاد يُعرف من هي، أو ما علاقتها بالفيلم. النتيجة؟ صعوبة إيجاد رابطة بينها، وفقدان الاهتمام أحياناً، وانجذاب إلى رغبة في معرفة ما إذا كان ما يحدث في هذه اللحظة مثيراً للانتباه. لكنّ كلّ شيء يبدو كأنه قائم في جزيرة منعزلة ومنفردة، أو كأنّ هناك أفلاماً قصيرة، تتفاوت فيما بينها قيمة ومستوى، لا عملاً واحدًا إطلاقاً.


يبدو ستيفن سودربيرغ متأثرا بآدم ماكاي، الذي أخرج فيلمي The Big Short عام 2015 وVice عام 2018. ذلك أنّ لماكاي أسلوباً ما بعد حداثيّ في سرد أفلامه، المرتبطة بالاقتصاد والحرب والسياسة، يتمثّل بتتداخل القصص بعضها ببعض، وبمونتاج سريع، وبكسر الحائط الرابع. هذا طموح سودربيرغ هنا. لكن، رغم خبرته البالغة 30 عاماً في صناعة الأفلام، لم يكن طموحه أصيلاً، بل تقليداً فارغاً لفنانٍ آخر، ما أدّى إلى فوضى مُطلقة، لم يُنقذها الحضور الطاغي لممثلين كبار.
دلالات
المساهمون