"معهد دراسات الحرب": الأسد أقوى والحسم مستبعد

06 فبراير 2014
+ الخط -

منذ اندلاع الاقتتال في سوريا بين قوات النظام والمعارضة المسلحة، تبدّلت موازين القوى على الأرض مراراً. لكن اليوم، بات الموقف العسكري للنظام السوري أقوى مما كان عليه قبل عام، بعدما كان يحاول في مثل هذا الوقت من العام الماضي المحافظة على الطريق الاستراتيجي الرابط بين دمشق وحمص ومحاولة استعادة حلب.

خلاصة جاءت في تقرير "مركز دراسات الحرب" في واشنطن، وعاد وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، ليكررها ويتبناها في مقابلته مع شبكة "سي أن أن" الإخبارية. وبينما اكتفى كيري بالقول: "صحيح أن الاسد تمكن من تحسين وضعه قليلاً، لكنه لم ينتصر حتى الآن"، معتبراً أنه يوجد "جمود في الوضع"، تطرق التقرير بالتفاصيل إلى مجموعة من الأسباب التي ساهمت بشكل رئيسي في تحسين وضع القوات النظامية في مواجهة المعارضة، مشدداً في الوقت نفسه على أن ذلك "لا يعني على الإطلاق قدرة النظام على الانتقال إلى مرحلة الحسم".

وتتوزع أسباب تقدم النظام بين ما هو متعلق باستراتيجية عسكرية اتبعها، وقتال حلفائه إلى جانبه، وتحديداً حزب الله، واستعانته بخبرات عسكرية ايرانية وروسية من جهة، وبين أخطاء وقعت فيها المعارضة بسبب خلافاتها في ما بينها، وسلبيات "لا مركزيتها" من جهة ثانية.

ووفقاً للتقرير، كان النظام، في ربيع 2012، يفتقر إلى القوة البشرية الضرورية لقيادة عمليات مشابهة على غرار تلك التي يقوم بها اليوم على أكثر من جبهة ضد الجماعات المقاتلة التي كانت تحقق تقدماً سريعاً في الشمال، والجنوب وفي ريف دمشق. كذلك كان "الجيش السوري في ذلك الحين يراكم خسائر أكبر من أن يعوّضها، وكان يعتمد على العتاد الجوي لإمداد قواته المحاصرة في حلب وإدلب لأنه كان يفتقر للسيطرة على خطوط ارضية تصله بمراكز تواجدها، بعدما تمكن المتمردون من السيطرة على حمص، العمود الفقري للنظام لنقل الامدادات التي تصل دمشق بحلب والساحل".

 

دعم الحلفاء

ويوضح التقرير أن النظام "سرعان ما استعاد القوة القتالية من خلال استقدام حزب الله إلى الحرب التي شارك فيها الحزب"، كمدربّ على المعارك فضلاً عن توليه تعزيز صفوف النظام. ووفقاً للتقرير، "فإن قدرات فرق المشاة المتخصصة التي استقدمها حزب الله خففت إلى حد كبير من نقاط الضعف في الجيش العربي السوري، الذي كان يعتمد اعتماداً كبيراً على المدفعية والمدرعات، بدلاً من المشاة في جميع أنحاء البلاد في 2012”.

وعلاوة على ذلك، قدّم حزب الله إلى جانب إيران "جهوداً استشارية، شملت خدمات كبار المستشارين من الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، وساهمت في التخفيف من صعوبات القيادة والسيطرة التي كانت تعوق دمج القوى الجديدة وداخل الجيش السوري ككل". بالإضافة إلى ذلك، ساهمت هذه الجهود الاستشارية في إكساب النظام القدرة على تصميم وتنفيذ عمليات متتالية ومتزامنة.

وإلى جانب دعم حزب الله وإيران، تصاعد "دخول العراقيين الشيعة المتشددين على خط المعارك إلى جانب النظام بعدما بدأوا بالقتال في محيط مقام السيدة زينب في بداية 2012، قبل أن يتمدّدوا إلى خارج محيط المنطقة لاحقاً"، بينما عمد النظام إلى تشكيل قوات الدفاع الوطني من المتطوعين المحليين. وبمساعدة من حزب الله وإيران، "تمّ إضفاء الطابع المحترف على هذه الميليشيات" بحسب التقرير الذي تألّف من 57 صفحة.

 

الأسلحة الروسية

رأى التقرير أن "المساعدات الروسية كانت حاسمة لاستمرار النظام طوال فترة الحرب، وتحديداً في عام 2013، ولا سيما أن الحكومة الروسية زادت من نقل الأسلحة للنظام السوري بين منتصف ديسمبر/كانون الأول 2013 ومنتصف يناير/كانون الثاني 2014.
وبينما رجّح تقرير "معهد دراسات الحرب" أنّ هذا الدعم بالأسلحة، سواء عن طريق الحكومة الروسية مباشرة او عبر وكلاء لها، سيزداد في عام 2014، أشار إلى أنها لم تكن المساعدات الوحيدة التي قدمتها موسكو. حتى أن التقرير أوضح أن "المستشارين وخبراء الاستخبارات الروس قاموا بتشغيل الطائرات من دون طيار على مدار الساعة لمساعدة القوات السورية على تتبع مواقع المتمردين وتحليل قدراتهم، وتزويد المدفعية بالاحداثيات بدقة وكذلك الأمر بالنسبة للضربات الجوية". ورغم أن روسيا "غير قادرة على تزويد سوريا بهذه الأسلحة إلى أجل غير مسمى"، فإن هذه الأسلحة "تستمر في إعطاء نظام الأسد أفضلية هامة في ساحة المعركة على قوات المتمردين".


قضم المناطق

بينما تشكّل دمشق وممرّات خطوط الإمداد المركزية التي تربط دمشق بحلب والساحل، مركز الثقل الرئيسي، نجح النظام في استعادة حمص والقصير التي كانت ذات أهمية استراتيجية، ليس للنظام فحسب، بل لحزب الله أيضاً. وأدّى هذا التقدّم إلى تخلي النظام عن اللجوء إلى الإمداد الجوي لقواته في المناطق التي كانت محاصرة، بحسب إحدى ملاحظات تقرير "معهد دراسة الحرب".

في موازاة ذلك، عمدت قوات النظام، وفقاً للتقرير، "إلى محاصرة مناطق الدعم للمتمردين في دمشق، وخاضت معارك من أجل إعادة فتح خطوط الاتصال الأرضي في حلب على طول طريق الصفيرة على الرغم من أنها طُردت من قاعدة منغ الجوية من قبل الدولة الاسلامية في العراق والشام في 6 أغسطس/آب 2013"، من دون أن ينجح النظام في استعادتها إلى اليوم.

على الرغم من ذلك، لم يكن تقدم النظام مطلقاً في جميع المناطق ومن بينها حلب، اذ ليست لديه القدرة، وفقاً للتقرير، "على إطلاق عملية حاسمة لتطهير المدينة أو تدمير القوات المتمردة"، لا سيما أن مقدار القوة القتالية التي يتوجب على النظام تأمينها للاحتفاظ بالأرض، مثل الصفيرة، عالي جداً لدرجة أن النظام لا يستطيع أن يفعل ذلك بسرعة وكفاءة، والإبقاء على الأرض هو التحدي الأكبر له".

ويعتبر "معهد دراسات الحرب" أن حملة القصف بالبراميل المتفجرة، على حلب خصوصاً، توضح كيف تحول النظام إلى إيقاع إصابات جماعية بحق المدنيين من أجل تخفيف الضغط واكتساب الأرض. ويرجِّح أن الاستراتيجية النهائية الطويلة الأجل "لدولة الأسد" تشمل جزءاً من الأرض اذا لم يكن قادراً على الحصول عليها جميعها.

 

أخطاء المعارضة

ومما ساعد النظام على تحقيق تقدمه، وفقاً لتقرير "معهد دراسات الحرب"، أن المعارضة لم تدرك أهمية إضفاء "الطابع المهني" (على أدائها)، ولم تلتزم بالقتال تحت إشراف "المجلس العسكري الأعلى للجيش السوري" الحر، الذي كافح للحفاظ على سلطاته وسط الجماعات المتمردة. كما سعى "المجلس" إلى "توجيه المعارضة بطريقة فعّالة لتحقيق الأهداف العملانية". وأدّى فشل "القيادة العسكرية العليا" للجيش الحر في تنظيم كتائب المتمردين وتسليم الموارد المطلوبة بشدة، إلى الدفع ببعض المجموعات التي تعد أكثر هيمنة في سوريا، إلى التخلي عن المعارضة التي نظمت تحت رعاية "ائتلاف المعارضة السورية"، وإلى تشكيل تحالفات منفصلة، أبرزها "الجبهة الإسلامية".

ومن خلاصات التقرير، أن القوة المتزايدة للنظام، بالإضافة إلى التطرف المتنامي للمجموعات التابعة لتنظيم "القاعدة"، دفعا بالمعارضة السورية إلى أن تتطور، ما أدى إلى حملة متزايدة لتوحيد صفوف القوات المقاتلة في الداخل، المستقلة عن القيادة السياسية في المنفى، التي أخفقت في توفير الدعم الذي تحتاجه الجماعات المتحاربة.

ومن بين المجموعات الأكثر قدرة بحسب التقرير الأميركي، "جبهة النصرة المحسوبة على القاعدة"، و"الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش). ووفق المصدر نفسه، ركزت "داعش" جهودها على السيطرة على الأراضي في شمال شرق سوريا، في الوقت الذي لم تكن تتماشى فيه أهدافها مع أهداف المعارضة بهزيمة قوات الأسد.

لكن القطيعة بين الدول الغربية التي تعترف بالمعارضة، والمجموعات المقاتلة على الأرض، "سوف تجعل تمثيل المتمردين في أي مفاوضات صعباً للغاية، وخصوصاً اذا نجحت الجبهة الإسلامية في منافسة الجيش الحر على الاعتراف بها كمؤسسة تمثيلية على الصعيد الوطني، وضمن القواعد الشعبية". يبقى أنه، على الرغم من الافتقار إلى القيادة والسيطرة من قبل المتمردين على المستوى الوطني، إلا أنّ مرونة المتمردين، فضلاً عن حرب العصابات وفعالية الهجمات التي تشنها جماعات مثل "القيادة العليا للجيش الحر"، منعت النظام من اقتلاع المعارضة من البلاد، وحتى من المدن الرئيسية، بما في ذلك دمشق وحلب. ويتابع التقرير أن مرونة المعارضة تعود في جزء كبير منها إلى "لامركزيتها"، إلا أن اقتتال المجموعات المتمردة في ما بينها، الذي تصاعد في كانون الثاني/ يناير ٢٠١٤، "يقلل من المزايا المكتسبة"، وفق الخلاصات.

 

حسم النظام مستبعد 

على الرغم من عودة السيطرة للنظام، والتحديات المستمرة أمام المعارضة، فإن نظام الأسد، وفقاً لما يوضحه التقرير، "لا يربح الحرب الأهلية السورية ولا يملك القوة على تحقيق فوز حاسم في 2014".

كذلك، لا يزال النظام عاجزاً عن الحفاظ على جميع مكاسبه في المدن، حتى باستخدام قوات "الدفاع الشعبي"، اذ تخلى عن السيطرة على الرقة، والمناطق الكردية، ومعظم الصحراء الشرقية، وجزء كبير من منطقة جنوب دمشق باتجاه درعا، حتى إنه "يكافح من أجل الحفاظ على موقعه في حلب".

يبقى أن الصراع الذي يقترب عامه الثالث من نهايته، "تحوّل الاهتمام الدولي به من تحقيق انتصار عسكري حاسم، إلى مساع للتوصل إلى تسوية سياسية كوسيلة لوضع حد لأعمال العنف، فيما يبقى الانتصار او الحسم غير مرجحين". وبينما اجتمع الطرفان، النظام وجزء من المعارضة، على طاولة المفاوضات للمرة الأولى في جنيف، في شهر يناير/كانون الثاني، تُختصر استراتيجية الأسد بـ"الاتكال على الوقت"، عبر سعي الأسد إلى إطالة أمد القتال (حرب الاستنزاف)، بما أن موارده أفضل من موارد منافسيه.

ووفقاً للتقرير، فـ"إذا كان يمكن الأسد شراء الوقت من خلال مسار جنيف، يقدّر الرئيس السوري أنه سوف يكون قادراً على الاحتفاظ بالسلطة بدلاً من التنحي" بعد 2014. وبطبيعة الحال، "يصعب تبين استراتيجية متماسكة للمعارضة، بسبب لامركزيتها والأولويات المتباينة بين أطرافها". إلى ذلك، خلص التقرير إلى أن تدفق الدعم العسكري لكلي الطرفين في الصراع، يحول دون انتصار عسكري حاسم للنظام أو للمتمردين، ويضمن تأخير انتهاء الحرب.

 

المساهمون