"مصر ليست تونس".. السياسة وتجديد الخطاب الديني

21 اغسطس 2017
(الرئيس التونسي باجي قائد السبسي، الصورة: وكالة الأناضول)
+ الخط -

عبر أثير إذاعة البرنامج العام، قدم الإذاعي الراحل؛ علي فايق زغلول؛ برنامجه "مسرح المنوعات"؛ لسنوات طويلة، لا أحد يتذكّر الآن أن "بسم الله الرحمن الرحيم..الإجابة تونس"، كانت إحدى إجابات طلبة أسرة الزهور بجامعة أسيوط، ردًا على سؤال الفقرة "الغلط فين؟"، اختفى البرنامج الشهير، وبقيت تونس؛ إجابة لكل الأسئلة الصعبة، التعليم؟ الإجابة تونس، حقوق المرأة؟ الإجابة تونس، الثورة؟ الإجابة تونس، التعايش؟ الإجابة تونس، وأخيرًا، تجديد الخطاب الديني؟ الإجابة تونس.

قبل شهور قليلة، تحدّث الرئيس المصري عن إمكانية بحث إلغاء الطلاق الشفهي للحدّ من حالات الطلاق التي تشهدها مصر مؤخرًا، في إشارة منه لأن يعاصر الفهم الديني ما استحدث في المجتمع من أمور لم تكن موجودة في عصر النبوة، رفضت السوشيال ميديا المقترح الرئاسي، ووقف الجميع صفًا واحدًا خلف قيادة الأزهر الشريف، التي رفضت أن يتولى الساسة شؤون الدين، "فليترك الرئيس مالله لله"، ردًا على دعوتهم "ما لقيصر لقيصر"، انفعلت مؤسّسة الأزهر على مقترح السيسي بشأن الطلاق في مصر، ليفاجئها الرئيس التونسي؛ الباجي قائد السبسي؛ بمقترح آخر لتعديل قوانين المواريث في تونس لتسمح بمناصفة المرأة للرجل في الإرث، وأن يتمّ تعديل القوانين كذلك لتسمح بزواج المرأة المسلمة برجل ليس من عقيدتها، وذلك بما لا يخالف أعراف المجتمع التونسي وثوابته، هكذا قال السبسي في مؤتمر عام داخل تونس، فاهتز المجتمع المصري.

ألقى السبسي حجرًا في المياه الراكدة في مصر، فاهتز السطح، نالت قوانين الإرث وحرّية الزواج في تونس، ما ناله الطلاق الشفهي في مصر، فكلاهما رفضه الأزهر، غير مبالٍ بموافقة دار الإفتاء التونسية على تطوير القوانين، وهو ما اعتبره حزب السبسي؛ تدخلًا في الشأن التونسي، "ليس للأزهر الذي تبيح كتبه أكل لحوم البشر، أن يلقّن تونس درسًا في تطوير الأحكام الشرعية والمجتمعية"، على مواقع التواصل الاجتماعي استمرّت الحرب بين فريق أيد، وآخر عارض، بينما في إحدى قرى محافظة سوهاج، كانت نجوان تنتظر فرج الله، بأن يأتي شقيقها في مطلع الشهر ليعطيها 700 جنيه، الهبة التي وافق عليها المجلس العرفي في القرية بعد وفاة والدها ومنعها من حصولها على حصّتها من الإرث "عاوزة تاخدي الأرض ويشاركنا الغريب فيها"، كان هذا الغريب هو زوجها.

ثلاثة أفدنة، هم نصيب نجوان وشقيقتها صَدفة، إرثهما من أرض والدهما، رفض الأشقاء الأربعة، أن تتسلّم البنات حقّهما الشرعي فيما تركه الأب، واتّفقا مع الأم والأعمام على أن يتولّى الرجال شؤون الأرض، وأن تكتفي البنات بنفقة شهرية "وياريتها كل شهر.. شهور كثيرة تمرّ، دون أن يرسلوا تلك النفقة"، تعلمت نجوان في مدارس أزهرية حتى وصلت للثانوية، فكان عليها أن تنتظر العَدل، الذي لم يتأخّر، أما صَدفة، فهي الأصغر التي بقيت في خدمة أشقائها حتى تمام العشرين، لم تلجأ الشقيقتان للمحاكم، واكتفى شيخ المسجد الكبير في القرية بأن يوصي الإخوة الرجال على القوارير التي تركها والدهم، وكذلك أوصى الفتاتين بألا يكونا سببًا في تمزّق العائلة "دي تقاليد البلد..محدش يقدر يقف قدامها".

قبل محاولة السبسي إنصاف المرأة التونسية، نجح عبد الرحيم المحمدي، من محافظة القليوبية، البالغ من العمر سبعين عامًا أن ينصف بناته قبل وفاته، فكتب لهما إرثهما الشرعي دون زيادة أو نقصان وسجّله بالشهر العقاري، لم يناصفهما مع أبنائه الرجال، ولم يقدّم فوزية، ووفاء، على أشقائهما محمود وإسماعيل وبدر، لكن ذلك لم يكن كافيًا، فالعقود المسجّلة لم تكن سوى حبر على الورق، ولم يشفع مرض الابن الأكبر لوفاء، واستئصال ورم سرطاني من جسده، في أن تحصل على نصيبها من الإرث "قالولي لو عوزتي حاجة هنديكي..وجوزي رفض أطلب مساعدتهم".

تحدّث نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، من المعارضين للتجديد التونسي في الأحكام الشرعية، بأن الدين الإسلامي أنصف المرأة، وأنه ليس في كل الحالات يكون نصيب الأنثى نصف الذكر، لكن هناك حالات أخرى يكون نصيبها هو الأكبر في حال كان شريك الإرث هو عم، أو جد، أو خال، بينما أيّد آخرون مقترح السبسي، بدعوى شراكة الحياة الاقتصادية التي تشهدها معظم الأسر في عصرنا الحالي، وانتفاء التفسير القرآني بأن الرجل قوّام على المرأة بما أنفق، وأن الزيادة في نصيبه من الإرث هي لإلزامه بالإنفاق عليها، وهو ما لا يحدث حاليًا، انشغل معظم النشطاء بأحكام المواريث وتعديلها، بينما كانت فتاة صغيرة في إحدى قرى الفيوم، تقاوم كوابيسها المتكرّرة في كل ليلة، بعد أن ذبحت شقيقتها بيدها، في فجر أحد الأيام، التي لم تر الشمس بعده أبدًا.

لم تكن مأساة مروة مثل بقية القصص التي يتهامس حولها الناس في مصر، كثيرة هي قصص الفتاة المسلمة عاشقة "الواد المسيحي"، العشق لا يعرف المذاهب، فقط حين يكون البطل مسلمًا، والبطلة على غير دينه، لكن حين تكون العاشقة مسلمة، يكون الحب سيفًا مسلطًا على الرقاب، يستوجب الذبح، تزوّجت مروة قبل أن تتمّ عامها في إحدى قرى الفيوم، رجلًا مسلمًا، زواجًا عاديًا أثمر عن إنجاب طفلتين، لم يدر بخلدها يومًا، أن هناك حياة أخرى تنتظرها، وموتاً آخر كذلك.

شاب مسيحي، سكن بالجوار مع أسرته، عشق الزوجة المسلمة، وأحبّته هي، لم يكن أمامهما حل سوى الهرب معًا، ذهبا إلى الإسكندرية، لم تعد مروة كذلك؛ خلعت حجابها وصارت مريم، تزوّج العاشقان على الديانة المسيحية، ونسيا كل ما كان يربطهما بالماضي، وبعد عدّة أعوام، تذكّر الفتى أهله، وعادا للزيارة، ولم يكونا يعلمان أنه قد حان وقت الحساب.

نسيت الأم طفلتها الأولى، لكنها لم تنسها، شاهدتها في منزل الجيران، وأبلغت الجد، فخطفوها وقيّدوها، ثم أمروا الشقيقة الصغرى بأن تمسك بنصل السكين، وتنال شرف الثأر، كي تضع دوماً نصب عينيها أن هذا هو مصير العاشقين. ذُبحت مروة في الفيوم، واستمرّت الكوابيس تطارد شقيقتها، وغيرها كثيرات تلقين المصير ذاته، ذبحًا وحرقًا، وتشريدًا، عقابًا على تقليب قلوبٍ بيد خالقها.

في أحد أندية القاهرة، يتهامس البعض بقصّة الحب التي جمعت بين رشا، المسلمة، وعماد النصراني، ينتمي الاثنان لفئة ذوي الاحتياجات الخاّصة، هكذا صنفهما القدر، لكن تصنيفًا آخر كان بانتظارهما بعد أن أصابتهما لعنة الحب، ونظرات الناس، أكثر من خمسة عشر عامًا في حب حُكم عليه بالموت بديلًا عن موت يصيبهما، اكتفى الاثنان بنصيبهما من الهمسات والنظرات اللاعنة، عن أن ينالا لعنة أخرى إن فكّرا بالهرب أو الزواج، حتى وإن غيّر أحدهما دينه، لم تتزوجّ رشا المسلمة حتى بعد أن بلغت الثامنة والثلاثين، وبلغ عماد 45 عامًا رافضًا لفكرة الزواج من شابة على دينه، لم يعلق الاثنان على ما حدث في تونس، ولم يكتبا على صفحتيهما شيئًا عما قاله السبسي من تطوير القوانين التونسية بشأن زواج المسلمة من مسيحي، فكلاهما مقتنعٌ بمقولة صفوت الشريف وزير إعلام مبارك الأسبق التي قالها قبل أيّام من ثورة يناير "مصر ليست تونس".

المساهمون