"مصالحات" النظام السوري: وهمٌ وتسويف

18 ابريل 2015
نقض النظام اتفاقات عدة أخيراً (عمّار سليمان/الأناضول)
+ الخط -
للسنة الخامسة على التوالي يقول النظام السوري ما لا يفعل، واهماً الكثير من السوريين والدول الحليفة له، بأنه "منتصر وقادر على حلّ الصراع الدائر في البلاد، والقيام بمصالحاتٍ مع معارضيه". ويسعى أيضاً إلى تصدير هذا الوهم للرأي العام العالمي، إلا أن الواقع سرعان ما ينكشف، بمجرد التواصل مع الأهالي والناشطين الذين يعتبرون أن "النظام موصوم بالكذب، وأن الأوضاع تتدهور من سيئ إلى أسوأ".

وبلغ ضعف النظام حداً غير مسبوق، مع إغلاق معبر معضمية الشام في ريف دمشق الغربي، ويقول زياد، أحد أهالي المنطقة، لـ"العربي الجديد"، إن "النظام أغلق معبر المعضمية أمام دخول أي شيء، سواء كانت مواداً غذائية أو طبية أو حتى ملابس"، مستدركاً "حتى أن عناصر حاجز القوات النظامية سحبوا من يد طفل، بقايا ساندويش كان يأكلها عندما وصل إلى الحاجز، وهددوا أمه إن لم يلتزموا بالتعليمات".

ويتابع أنه "إلى هذه الدرجة يتم التدقيق، حتى أن النساء يتعرّضن لتفتيشٍ دقيقٍ جداً من قبل عناصر نسائية جلبوها خصيصاً لهذه المهمة، وفي حال جلب أحدهم، حفنة من الرز مثلاً، فإنهم يذرونها على الأرض أمام عينيه، ويكيلون له الاهانات والتهديدات".

من جانبه، قال عضو المجلس المحلي في مدينة داريا الملاصقة للمعضمية، حسام عياش، لـ"العربي الجديد"، إن "معضمية الشام التي يُقدّر عدد سكانها بـ30 ألف شخص، اتفقت مع النظام على اتفاقية مصالحة أو هدنة السنة الماضية، لكن النظام أخلّ بالاتفاق وأغلق المعبر الوحيد للمدينة منذ حوالى شهر ونصف الشهر. وسمح في الأيام الأخيرة، بدخول وخروج الأهالي منها، من دون السماح لهم بجلب أي نوع من الأغراض الشخصية، أياً كان نوعها من غذاء أو لباس وغير ذلك".

اقرأ أيضاً: معركة حلب في مرحلة الحسم: تقدم المعارضة وتخبّط النظام

وأضاف عياش "وافق النظام أخيراً على خروج لجنة تفاوض مدينة معضمية الشام، لمقابلة الجهة المسؤولة عن ملف المصالحة، وهي الفرقة الرابعة التابعة للقوات النظامية. وحسب المعلومات التي وصلتنا، فقد طرح النظام شروطاً جديدة لاعادة فتح المعبر، منها تنظيم السلاح المتواجد داخل المدينة، كما أن هناك أحاديث عن طلب النظام تسليم السلاح، وعدم السماح لتنظيمات مسلّحة من خارج معضمية الشام بالدخول إليها، وضبط الحدود مع مدينة داريا".

ولفت إلى أنه "لم تصلهم معلومات بأن هناك علاقة مباشرة للعمليات العسكرية القائمة ضمن مدينة داريا (عملية تفجير البناء ـ عملية تحرير مقام سكينة) بملف اغلاق المعبر". وكشف أنه "مع الأخذ بعين الاعتبار أنه حتى لو كان ذلك صحيحاً، فإن التنسيق بين قيادتي داريا ومعضمية الشام محدود جداً".

وحول الوضع في داريا المحاصرة منذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2012، قال "حققنا تقدماً ميدانياً في الفترة الأخيرة بشكل عام، طبعاً المدينة محاصرة بشكل كامل حتى الآن، وملف المفاوضات متوقف حالياً، بعد محاولات خجولة لاحياءها. ولكن لجنة التفاوض الداخلية اشترطت حاجتها إلى بادرة حسن نية، تتمثل بالافراج عن الأطفال والنساء من المعتقلين، الأمر الذي لم يقم النظام بتنفيذه، أو حتى مناقشة أي جزئية منه، بل وسّع عمليات الاعتقال خلال الفترة الأخيرة، لتطال أعداداً هائلة من أهالي داريا، والكثير منهم من النساء والأطفال". وليس واقع بعض أحياء بيت سحم وببيلا ويلدا المحاصرة، والواقعة جنوب دمشق، والتي وقّعت مع النظام على ما يُسمّيه هو "مصالحات" قبل أشهر، أفضل من المعضمية وداريا.

وذكر الناشط الاعلامي في جنوب دمشق، ثائر الدمشقي، لـ"العربي الجديد"، أن "النظام أغلق معبر ببيلا منذ نحو الشهرين من دون سابق انذار، ومنع دخول أي مواد غذائية إلى المنطقة، ليطالب بعدها الأهالي بابعاد جبهة النصرة عن بيت سحم، في مقابل السماح بإدخال المواد الغذائية. ما دفع الأهالي بمطالبة النصرة بالخروج، وتسبّب أيضاً في اشتباكاتٍ بين فصائل عسكرية والنصرة، ما أدى لسقوط قتلى من الجانبين، وعلى الرغم من ذلك لم يسمح بدخول أي مساعدات إليهم".

واستدرك قائلاً "طبعاً نستثني كمية من المساعدات دخلت في الأيام الأخيرة بضغط أممي للنازحين من مخيم اليرموك". وتابع "النظام كذب على الأهالي طوال الفترة الماضية، إذ كان من المقرر أن يسمح للناس بحرية الحركة بعد المصالحة لكنه لم يسمح، كما أنه لم يُطلق سراح المعتقلين، وفي مقدمتهم الأطفال والنساء، كما جاء في بنود الاتفاق".

من جانبه، قال أحد النشطاء السياسيين من مدينة الهامة بريف دمشق، عبد الرحمن، لـ"العربي الجديد"، إن "الهامة وقّعت على هدنة مع النظام منذ أشهر، لكنه يفرض حصاراً خانقاً على المدينة منذ نحو 100 يوم، ولا يسمح لأي شيء بالدخول والخروج".

ولفت إلى أنه "يقطن في المدينة نحو 50 ألف مدني، بينهم عشرات المنشقين، وآلاف المتخلفين عن الخدمة العسكرية، يعانون ظروفاً انسانية قاسية". وكشف أن "قدسيا جارة الهامة، يسكنها نحو نصف مليون شخص، وما زالت تخفف من عبء الحصار، لكونها وقّعت على مصالحة مع النظام، وقبلت وجود لجان شعبية غير مسلحة موالية للنظام".

وأشار إلى أن "النظام اليوم يطالب أهالي الهامة بقبول وجود حواجز عسكرية ولجان شعبية موالية له، في مقابل إدخال المواد الغذائية. الأمر الذي لم يجد قبولاً من كثير من الفصائل المسلحة المسيطرة على الأرض". وأضاف أن "الأهالي والفصائل المسلحة، لا يملكون أي ثقة بالنظام الذي خدعهم، بعد أن وقّعوا على هدنة ببنودٍ تنصّ على إطلاق سراح المعتقلين، وضمان حرية الحركة للأهالي، إلا أنه لم يطلق سراح أي معتقل، بل زاد عدد المعتقلين. كما يزيد الضغط كل فترة على الأهالي، مطالباً إياهم بمزيد من التنازلات، من دون أي مقابل من حقوقهم، إلا إدخال الحدّ الأدنى من المواد الغذائية".

بدوره، قال زهير محمد، ناشط معارض من دمشق، لـ"العربي الجديد"، إن "النظام يخدع السوريين والعالم عندما يتحدث عن إنجازه مصالحات مع السوريين المعارضين. والمصالحات عبارة عن هِدَن تجويعية، وكل الهِدَن التي أنجزها كانت في مناطق محدودة محاصرة، ولم ينفذ من بنودها سوى إدخال المواد الغذائية، وحتى أن هذا الأمر لا يتمّ بشكل منتظم".

وأضاف "كما عمل النظام على بث الفتن بين المناطق الثائرة المتجاورة، فيحاصر منطقة، ويسمح بدخول المواد الغذائية الى منطقة أخرى، شرط عدم إعطاء جارتها أي مما يحصلون عليه، كما يحاول تفضيل فصيل على آخر، كل ذلك بهدف زرع الفرقة بين الناس والفصائل المناهضة له".

واعتبر أن "النظام الى اليوم ما زال منفصلاً عن الواقع، ويصدق إعلامه الرديء بأنه يسجل انتصارات يومياً، وأنه سيعيد سورية إلى ما كانت عليه قبل العام 2011، وكأنه لا يستشعر خطر انهياراته الميدانية والاقتصادية والسياسية، وهذا ما يجعله يماطل بإنجاز مصالحات حقيقية مع السوريين، دافعاً بنفسه إلى الهاوية".

اقرأ أيضاً: سورية: مجزرة للنظام في إدلب...وحقوقيون يؤكدون استخدامه غازات كيماوية

المساهمون