تتواصل في مدينة مديين الكولومبية، افتراضياً، حتى تشرين الأول/أكتوبر القادم، فعاليات الدورة الثلاثين من "مهرجان مديين العالمي للشعر" بمشاركة مئة وتسعين شاعراً من كولومبيا والعالم.
وكان افتتاح المهرجان قد تزامن مع تعرّضه لحملة شنتها عليه السفارة الإسرائيلية في بوغوتا وبعض الجهات الصهيونية لأنه سحب دعوة "شاعرة إسرائيلية" بعد أن وجدت إدارة المهرجان أن قصائدها التي أرسلتها للمهرجان قبل انطلاقه، تتضمن موقفاً استعمارياً من الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة التي يلتزم المهرجان بمناصرتها منذ تأسيسه.
وقد أصدر المهرجان بياناً رفض فيه استخدام الشعر ومنصّته لترويج أفكار عنصرية واستعمارية تمثل ثقافة دولة الاحتلال الصهيوني، ومعاداتها لحق الشعب الفلسطيني في التحرّر وإقامة دولة مستقلة، و"هو الموقف الذي يعارضه المهرجان بشكل واضح منذ تأسيسه".
القضية الحالية تنسجم مع موقف "مهرجان مديين" الواضح من الكيان الصهيوني، والذي امتدّ على عمر التظاهرة؛ وهو ما وضّحه في البيان بجلاء: "على امتداد ثلاثين سنة من وجود المهرجان، لم يكن لدينا، بمبادرة منّا، أي علاقة مع المتحدّثين الرسميّين باسم الحكومة الإسرائيلية ولم نلتمس أبداً، أبداً، من سفارتها في كولومبيا أي نوع من الدعم لهذا المشروع ولا لأي من أنشطتنا، مثلما فعلنا مع العديد من وفود السلك الدبلوماسي المعتمد في كولومبيا".
وعليه، فقد أبت إدارة التظاهرة، التي يُديرها الشاعر الكولومبي فرناندو ريندون أي تراجع أمام ضغوط وزارة خارجية الكيان الصهيوني وسفارته في بوغوتا. ورفض "مديين" أن يستقبل مكالمة السفير الإسرائيلي، بسبب الكيان الذي يمثّله وأفعاله من تقتيل الشعب الفلسطيني واغتصاب أراضيه وضمّها بالقوّة، فضلاً عن اتصال السفارة بوزارة الخارجية الكولومبية بهدف التدخُّل والضغط على مؤسّسة "بروميتيو"، القائمة على تنظيم المهرجان، والتحريض عليها من خلال ضغط جهات صهيونية في كولومبيا على مصادر تمويل المؤسسة، ما يشكل خطراً جدياً على استمرارية التظاهرة.
رفَضَ استخدام الشعر ومنصّته كبوق لدولة الاحتلال
كلُّ ذلك يكشف عن ذهنية استعمارية وصلف صهيوني يريد فرض إرادته العدوانية حتى على مهرجانات الشعر، ناهيك عن الجهل العميق لمعنى الشعر ومساراته ومسالكه كما يفهمها الشعراء القائمون على مهرجان مديين، في كونه سلطة أخلاقية لا تفسدها السياسة. وهنا نلفت إلى غياب المؤسسات العربية عن التضامن مع أصدقاء العرب في العالم.
يُشدّد القائمون على "مهرجان مديين" على ثوابت أخلاقية وإنسانية عنوانها قضية فلسطين، إذ يؤكدون في بيانهم: "إن موقفنا ليس جديداً، بل هو في الواقع أكثر جوهرية في هذه اللحظة حين يكون هنالك تهديد واضح من قبل إسرائيل في ما يخص التوغل في الضفّة الغربية ومواصلة نشر مستوطناتها سيئة الذكر. ثم إن حقيقة لجوء الشاعرة الإسرائيلية إلى حكومتها للضغط علينا يؤكّد، من ناحية أخرى، أنّها تقف إلى جانب سياستها". البيان يمضي إلى ما هو أبعد، حينما يتنصّل من موقف الدولة الكولومبية ذاته، معتبراً أن منظّمي المهرجان يشكّلون منظّمة غير حكومية لا يعنيها في شيء موقف الحكومة الكولومبية أو تطبيعها مع الكيان الصهيوني.
يخلص البيان إلى أن قرار المهرجان بسحب الدعوة تعبير عن رفضه توفير منصّة لمواقفها التي تتعارض مع قضايا مبدئية بالنسبة إلى التظاهرة؛ وأوّلها حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلّة على أرض فلسطين.
وإن كان المهرجان يدعو شعراء "إسرائيليين" بين الحين والآخر معتقداً أنهم "معارضون لسياسة دولتهم"؛ لكن هذه الثغرة هي ما يسمح لمثل هذه "الشاعرة" الاحتلالية بالتسرّب إلى برنامج المهرجان، وقد تسرّب من قبلها شعراء ليسوا بأقل سوءاً منها ونذكر على سبيل المثال للحصر الشاعر الاحتلالي أمير أور الذي ينشط في كسر المقاطعة الثقافية لدولة الاحتلال الإسرائيلي في البلدان الناطقة بالإسبانية.
من جهة أخرى، تشهد هذه الدورة مشاركة شعراء من بلدان عربية مختلفة، وحضور أسماء بارزة في عالم الشعر، مثل جاك هيرشمان من الولايات المتحدة، وآدم زغايفسكي من بولندا، وشارلز سيميك من صربيا/ الولايات المتحدة، وجيدي ماجيا من الصين، وغيرهم.
* شاعر ومترجم من المغرب