"مدوّنة السلوك المهني" بين الرفض والقبول

19 ديسمبر 2015
تُلزم المدونة الموقّعين عليها (Getty)
+ الخط -
ما بين الرفض والقبول، علّق صحافيون وأساتذة إعلام، على مشروع مدونة السلوك المهني للأداء الصحافي والإعلامي، الذي ناقشته نقابة الصحافيين المصريين، في اجتماعها الأحد الماضي، مع رؤساء وممثلي اتحاد الإذاعة والتليفزيون والهيئة العامة للاستعلامات، وغرفة صناعة الإعلام، ونقابة الإعلاميين تحت التأسيس، والمجلس الأعلى للصحافة. 

المدونة تتكون من 22 مادة، وتنص في مجملها على: احترام الدستور المصري، والالتزام به، وترتيب صياغة أولويات المادة المنشورة والمعروضة والمذاعة، بشكل يعكس الأولوية الحقيقية للمجتمع، والالتزام بالحقائق، والامتناع عن اختلاق الوقائع، أو إطلاق الأخبار المفبركة، والاعتماد على مصادر معلنة وواضحة. وحسبما أُعلن خلال المؤتمر الصحافي الذي أطلقت فيه هذه المدونة، فإنها تأتي كـ"وثيقة تضاف إلى ميثاق الشرف الصحافي وتلتزم بمبادئها الجهات الموقعة عليها، وتدعم الالتزام بها في جميع المؤسسات الصحافية والإعلامية".

وبحسب رئيس لجنة التشريعات بنقابة الصحافيين كارم محمود فسيتم التوقيع على هذه المدونة خلال الاجتماع المقرر عقده الثلاثاء 22 ديسمبر/كانون الأول، في مقر غرفة صناعة الإعلام.
عمرو بدر، وهو الصحافي المصري، ورئيس تحرير "بوابة يناير"، الموقع الإخباري المصري المعارض، الذي يصف نفسه بـ"صحافة مش خوافة"، قال إن مدونة السلوك المهني تعبير عن عصر غير الذي نعيش فيه، شارحًا "المدونة تعليق بعصر كان فيه من الممكن التحكم في الكلمة؛ لكن عصرنا هذا لا يمكن حصار الكلمة فيه بهذا الشكل".

ووصف بدر المدونة بأنها "تضييق واضح على الحريات الصحافية بشكل عام، وهو ما سيعرضها للفشل"، لاحتوائها على مصطلحات فضفاضة مثل "ترتيب صياغة المادة المنشورة بشكل يعكس الأولوية الحقيقية للمجتمع المصري"، متسائلاً "ما تلك الأولويات ومن يحكمها ويحددها؟"، مضيفًا "المدونة لن تستطيع تطبيق تلك المصطلحات الفضفاضة، حول المشكلات الكبيرة المتشابكة بدرجة يصعب تحديد فيها أي مشكلة ممكن نعتبرها أولوية".

اقرأ أيضاً: سقطات الإعلام المصري في 2015: مؤامرات كونية وحروب إلكترونية​

وفي حوار مع صحيفة "التحرير" المصرية الخاصة، قال نقيب الصحافيين المصريين، يحيى قلاش، إنّ المدونة لن تكون بديلًا عن التشريعات التي نطالب بسرعة إصدارها، وإنما ستكون أشبه بضوابط إلزاميّة لضبط الأداء الإعلامي الحالي، ولملء الفراغ في المشهد الذي نراه سلبيًا.
وأضاف قلاش "المدونات الأخلاقية يكون إلزامها أدبيًا، ولكننا قمنا بتشكيل لجنة تنسيقية من الجهات الخمس الرئيسية للإعلام في مصر، لتلقي أي شكاوى من مخالفات أو تجاوزات إعلامية، وستجتمع هذه اللجنة على الفور لبحثها، واقتراح إجراءات عقابية بشأنها".

أما الأستاذ بكلية الإعلام، جامعة القاهرة، محمد حسام الدين، فاختلف مع من يرى أن تلك المدونة عودة للستينيات؛ لأن التاريخ لا يعود إلا بشكل ساخر وليس بشكل كربوني، ولأن كل الظروف التقنية والظروف المتعلقة بالملكية وآليات السيطرة والتوجيه ليست مثل الستينيات بحال. وفسّر حسام الدين رأيه بأنّ "هناك رجال الأعمال الذين من الممكن أن تتصادم مصالحهم مع مصالح النظام الذي جاء من رحم القوات المسلحة المصرية.. وهناك التطورات التقنية التي تجعل من العودة للصوت الواحد في الإعلام أمرًا مستبعدًا. ثم هناك إرادة الصحافيين والإعلاميين المصريين المتصدية لكل محاولات التدجين والاحتواء.. إذ إن خطورة هذه المحاولات تصبّ في صالح التغطية على الفساد واستبعاد محاسبته، وهو ما يجب أن يتم التصدي له يقينًا". وأضاف: "نعم البديل لنظام (الرئيس عبدالفتاح) السيسي مرعب وغير مضمون على الإطلاق.. ولكن ذلك ليس ذريعة للتغطية على الفساد.. وليس ذريعة لرصد مواطن التفاوت والظلم والخلل في النظام الحالي في مصر".


وأشار حسام الدين إلى أن المدونة جيدة في مبناها ومعناها ولكن ليس في تأثيرها، مفسرا "المدونة جاءت من مجموع الإعلاميين المصريين ولم تأت من السلطة بشكل مباشر.. فهي إطار جيّد للتنظيم الذاتي للمهنة بعيدًا عن التدخل الحكومي السافر، ولكي تتم لا بد من وجود آلية واضحة للتطبيق. وهي أيضاً آلية لإعداد لجنة مراقبة السلوك المهني وللعقوبات المفروضة على المخالفين"، مضيفاً: "لا أعتقد أنّ المدونة سوف تتوسع في إدراج ما هو متعلق بالأمن القومي إلا إذا وافقت على كل ما هو مطروح في قانون الإعلام الموحد المزمع تمريره من مجلس الشعب... لذا فالضربات التي يمكن أن تطاول حرية الصحافة والإعلام لن تأتي ممن وضعوا المدونة ولكن من القانون القادم".

ومن منطلق "إطار التنظيم الذاتي"، أكد أستاذ الإعلام أن الاجتماع على المدونة يعد "خطوة احترازية استباقية دفاعية ضد ما يراد ويحاك للصحافة والإعلام المصريين ويجب تفسيرها في هذا الإطار وليس العكس".

"الأخطر من ذلك في تصوري أنه تم نسيان (إتاحة المعلومات).. تلك النقطة التي تضرب حرية الإعلام المصري في الصميم.. فلا بد من سنّ قانون لإتاحة المعلومات كما في معظم الدول التي تحرص على حرية الإعلام والصحافة متمثلاً في الآتي: التقارير والإحصائيات الهامة، وإتاحة الوصول للمصادر التنفيذية في الوزارات والهيئات الحكومية المختلفة التي ترفض الآن التعاون مع معظم الصحافيين؛ مما يؤدي إلى اعتماد الصحافي على مصادر غير رسمية مما يؤدي أحيانًا لعدم دقتها"، بحسب أستاذ الإعلام.


وقدم حسام الدين، عدة اقتراحات من أجل تطوير المدونة قبل عرضها على رئاسة الوزراء والجمهورية، منها "أن تحمي النقابة كل الصحافيين بلا تمييز وليست لحزب أو جماعة، وصياغة قانون معلومات يمكن الصحافي من الحصول على المعلومات الصحيحة في أمد زمني محدد (ما تعدى ربع قرن) ويعاقب من يمتنعون، وأن يكون للصحف الخاصة مكان في عضوية المجلس الأعلى للصحافة، وتحديد حد أدنى من الأجور يحفظ كرامة الصحافي، وزيادة منصفة تصحح الرواتب، ووضع قانون جديد للنقابة ينظم حقوق القيد والانتساب بشفافية ومساواة كاملة".

واشتملت المقترحات أيضًا على "ضرورة إنشاء مركز لتدريب الصحافيين الشبان على أصول المهنة وفنونها، وإرسال المتفوقين في الدورات المهنية للتدريب في صحافة الخارج، وإنشاء مركز للوثائق والمعلومات يضم كل الدراسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الحديثة في مصر، ووضع جائزة للتفوق الصحافي ضمن جوائز الدولة التشجيعية، ومكافحة الاحتكار في ملكية وسائل الإعلام.

وربط حسام الدين، حديثه عن المدونة، بالمسؤولية الاجتماعية للإعلام، إذ إنّ "تنوع الأصوات الإعلامية لم يحلّ أزمة المصداقية، بل زادها تعقيدًا، وتم تقديم الواقع من وجهات نظر متحيزة متعددة ومتباينة بتباين وسائل الإعلام، وأضحت الرسائل الإعلامية رؤى متحيزة متجاورة، أصبح الإعلام المصري وداخله الصحافة المصرية ميدانًا للتشاحن والتطاحن ولتوجيه الاتهامات وتصفية الحسابات الشخصية على حساب المناقشة الموضوعية والجادة للقضايا والمشكلات المطروحة".

اقرأ أيضاً: إعلاميو الانقلاب للسيسي: اقفل القنوات..البلد داخلة على مشاكل
المساهمون