"متحف أورساي" يفتح أبوابه "في أرض الوحوش"

24 يونيو 2020
من أعمال"في أرض الوحوش" لـ ليوبلود شوفو/ فرنسا
+ الخط -

بعد انقطاع دام تقريباً أربعة أشهر، يعود متحف "أورساي" في باريس إلى الحياة، ويفتح أبوابه مساء أمس الثلاثاء، لينضمّ إلى المتاحف التي أنهت عزلتها القسرية وأشرعت بوابتها أمام الجمهور ضمن إجراءات احترازية مشدّدة كالحجز المسبق والتعقيم والحفاظ على مسافة الأمان، إلى جانب الالتزام بعدد محدود من الجمهور، وارتداء القفازات والكمامات.

الافتتاح كان بمعرضيين أساسيين؛ الأول هو "جيمس تيسو، الغامض الحديث"، الذي تعرض خلاله مجموعة من أعمال الفنان الفرنسي الإنكليزي (1836-1902)، وعلى الرغم من ظهور أعماله في معارض متفرّقة، لكن هذا المعرض الذي ينظّمه "أورساي" يعدّ الاستعادي الأول منذ آخر معرض أقيم له عام 1985 في باريس. أما المعرض الثاني فيقام تحت عنوان "في أرض الوحوش"، ويضمّ مجموعة من أعمال الفرنسي ليوبولد شوفو (1870-1940).

بالنسبة إلى الفنان جاك جوزيف تيسو، المولود في نانت والذي درس الفن في باريس، فيعدّ أحد أبرز فناني النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولطالما وصفته كتب تاريخ الفن بأنه كان شخصية غامضة فرنسي الجذور ولكنه ميال للثقافة الإنكليزية.

من لوحات جيمس تيسوفي أواخر خمسينيات القرن التاسع عشر، ظهر تيسو لأول مرة في باريس، شاباً شغوفاً بالفن الياياني، وكان لعائلته علاقات نافذة على مستويات مختلفة ساهمت في تسهيل إطلاق أول معرض له، وساعدته في الانصهار بسرعة في أوساط باريس الثقافية والفنية.

بعد أحداث عام 1870 وكومونة باريس، انتقل إلى لندن وتابع عمله كفنان وتركّز عمله تدريجيًا على شخصية بدت مشرقة في البداية، ثم أصبحت ضعيفة بشكل متزايد، وهذه هي رفيقته كاثلين نيوتن، بطلة كلّ لوحاته والتي بعد رحيلها عام 1882، قرّر تيسو العودة إلى فرنسا.

استمرت مسيرته مع صور النساء من مختلف الطبقات الاجتماعية، وأصبحت نساء باريس موضوع سلسلة كبيرة من اللوحات، لكنه حاول أيضاً الرسم في سياق آخر فأنتج سلسلة من مئات الرسوم التوضيحية للكتاب المقدس، وجلب هذا له شهرة أكبر.

يركّز المعرض على شخصية جيمس تيسو ويضع فنه في السياق الفني والاجتماعي لعصره، كما يقدّم كل اللوحات التي تشكل النجاحات الأبرز له، من صور أيقونية وتجارب جريئة، وبعض مطبوعاته وصوره الفوتوغرافية وتخطيطاته.

أما بخصوص معرض "أرض الوحوش" لـ ليوبولد شوفو، فبالإضافة إلى كونه طبيباً، وهي مهنة فرضت عليه بسبب الالتزامات العائلية ولكنه لم يكن يحبها ولا يستمتع بها، لجأ شوفو إلى الفن وكان نحاتاً ورساماً وكاتباً، وألف أيضاً قصصاً للأطفال، وظلّ هذا الفنان منسياً واسمه لا يتردّد في كتب تاريخ الفن، إلى أن أهدى حفيده عام 2017 كلّ ما يملك من أعمال جده وهي مئة رسمة و18 منحونة إلى "متحف أورساي".

معظم أعمال شوفو تصوّر الوحوش، سلسلة بدأها بعد عدّة سنوات من ممارسة الطب، فمن عام 1907 وصاعداً أصبحت الوحوش مهيمنة في إبداعاته سواء في منحوتاته ورسوماته، وغالباً ما كانت هذه المخلوقات الهجينة وخرقاء وتبدو لطيفة، كما لو أنها هاربة من لاوعي الفنان لتصبح شعباً من عالم خيالي وجد فيه الطبيب ملجأ أيضاً.

لا تخفى التأثيرات اليابانية من رسوماته مثلما لا يخفى أثر وحوش الأساطير الإغريقية من منحوتاته، ولكنه تبنى الإيجاز في تصوير الشخصيات وتقديمها على شكل وحوش ساذجة ولا تخيف أحداً.

اعتبارًا من عشرينيات القرن العشرين، استرعى اهتمام شوفو المناظر الطبيعية الوحشية: مساحات شبيهة بالصحراء أو مساحات شاسعة من الصحراء حيث تتجوّل الوحوش بحيوية وألوان قوية تقربها من عالم الكرتون. وللأطفال رسم مجموعة من الحيوانات وكتب لهم القصص، ويفرد المعرض جانباً منه للأعمال التي قدّمها الفنان من أدب ورسومات للطفل.

المساهمون