في عمله الجديد "ماما"، الذي عُرض ضمن فعاليات "مهرجان أفينيون المسرحي"، يتناول المخرج المسرحي المصري، أحمد العطّار، مسألة النفاق الاجتماعي من خلال دراما اجتماعية تلعب المرأة دور البطولة فيها. إنها المرّة الأولى التي يُفرد فيها صاحب "العشاء الأخير" هذه المساحة للمرأة، لتكون مركز العمل وصاحبة الحضور الأبرز على المستوى الحكائي.
"ماما" سيّدة تنتمي لأسرة برجوازية مصرية كلاسيكية تسعى إلى التحكّم في شتّى تفاصيل البيت. يظهر ذلك من تدخّلها في حياة الأحفاد وانتقاداتها الدائمة لكنّتها. رغبتها في التسلّط على الجميع تبدو نابعةً من تهميشها الدائم من قِبل الذكر؛ فكلّ القرارات المصيرية في يد الرجل، وكل ما يجب أن يُحسم لا بد من انتظار عودته إلى البيت ليبتّ الأمر فيه. إنها شخصية نمطية، مليئة بعقد النقص التي تحاول إفراغها في كلّ من يُحيط بها من خدم وأصدقاء.
حكاية العمل بسيطة جدّاً وشديدة النمطية: تكتشف العائلة أن زينب (الحفيدة) على علاقة بالسائق الذي ينتمي (بالطبع) إلى طبقة سفلية، فيتنظرون عودة الأب ليقرّر حلّاً لهذه الورطة. فجأةً، نسمع بعودة أحد أفراد العائلة من بروكسل ويقترح أن يتم تزويج الفتاة منه. بعد فترة، يموت الأب، ويتسلّم الابن زمام السلطة في البيت، وتحاول الكنّة أن تحتل مركز الأم، فتجلس على الكرسي الذي كانت تشغله الأولى طوال المسرحية.
في مسألة النفاق الاجتماعي، يُقدّم العطّار مقترحاً معقولاً؛ حيث تشاهد كلّ الشخصيات كل شيء ولكنّها تستمر في الكذب. لكنه لا يذهب بعيداً لإنضاج فكرته. في مشاهد كثيرة، تدخل مغنّية بلباس أبيض ملائكي لتؤدّي أغنيةً ثم تخرج، من دون أن نعرف لماذا، ومن تكون في الأساس.
لا حوار، بالمعنى الدرامي، خلال العرض؛ فلا يكشَف عن دواخل الشخصيات الموجودة على الخشبة، ولا يخدم حتّى دوره الوظيفي في إيصال المعلومة والفكرة، بل إنه يبقى في أحيان كثيرةٍ ضمن حدود الثرثرة: "حبيبي جبلي تمر من دبي"، "أنا مش عاوزة آكل عشان الريجيم"، "زعلت جدّاً لأنك اتصلتِ بكوكي وما اتصلتيش بيا"...
يقول العطّار، في ملصق العرض، إن الأخير يُحاول "تقديم العائلة المصرية والعربية بشكل عام". بالتأكيد، فإن ذلك يقتضي الوضع في الحسبان أن أي عائلة، عربية كانت أو غير عربية، مكوّنةٌ من شخصيات لها صراعاتها وفلسفتها الخاصّة في الحياة، ما يتطلّب رسماً دقيقاً متأنّياً لها، لا تقديمها كأنها قادمةٌ من مسلسل تلفزيوني سطحي.