"ماذا عن الفن؟": باقة ألوان صينية

20 ابريل 2016
مقطع من عمل لـ هو سيانسيين (من المعرض)
+ الخط -

رغم أن المنطقة العربية والصين توضعان ضمن توصيف موحّد هو الشرق، إلا أن التقارب الثقافي بين العرب والصين يبدو أقل بكثير من تقارب العرب مع الثقافة الأوروبية أو الأميركية.

لعله تقييم يمكن مراجعته إلى حد كبير خصوصاً مع تطوّر العلاقات التجارية، وربما السياسية بين البلدان العربية والصين، غير أنه على المستوى الثقافي، وخصوصاً الجانب الفني منه، يظل محكوماً بصورة مشوّشة ومنقوصة، إن لم تكن محجوبة لاعتبارات اللغة واختلاف الأذواق والسياقات التاريخية وخصوصاً لوجود هيمنة غربية.

يحاول معرض "ماذا عن الفن؟ فن معاصر من الصين" الذي يقام في قاعة "الرواق" المجاورة لـ"المتحف الإسلامي" في الدوحة، أن يقدّم هذا المشهد الفني الصيني للمتابع العربي.

المعرض افتتح منتصف الشهر الماضي ويستمر حتى 16 تموز/ يوليو من هذا العام، وهو يعتبر - على الأقل ضمن معارض الفنون البصرية - أحد أبرز فعاليات هذا العام في العاصمة القطرية.

يتيح المعرض لزواره مشاهدة أعمال أساسية لـ 15 فناناً صينياً معاصراً، يقدّمها قيّم المعرض، الفنان الصينيّ تساي جوه تشانغ. وإن كان هذا المعرض الكبير نسبياً يأتي ضمن برنامج "العام الثقافي قطر- الصين 2016"، إلا أن طابعه وطموحه الفنيين يخرجانه من إطار المناسباتية إلى صلب الأسئلة الفنية المعاصرة وفي جوهرها سؤال الفنان بصفة عامة عن مصير الفن، وتطلعاته وقدرته على ممارسة دوره.

عقْب إطلاق المعرض، الذي افتتحه رئيس مجلس أمناء متاحف قطر، المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني، أُقيمت جلسة نقاشية حول الفن الصيني المعاصر بمشاركة تشانع، والفنانيَن الصينيين جيان وي وشو بينغ، ومدير المتحف الوطني للفنون في الصين هان زيونغ. وترأست الجلسة دينا باجندل، مدير برنامج تاريخ الفن في جامعة فرجينيا كومنولث في قطر.

تحدّث تشانغ في هذه الجلسة، مشيراً إلى أنّ "ماذا عن الفن؟" ليس معرضاً استعادياً للفن الصيني، و"ليس محاولةً لتلخيص اتجاهات هذا الفن وتحليل ظاهرته"، وإنما هو "لفت للانتباه إلى القوة الإبداعية للفنانين" حيثُ هنالك "نقص في المعارض التي تركز على الاستقصاء المباشر للفن وممارسات الفنانين أنفسهم، وهذا هو الشيء الذي يريد هذا المعرض لفت انتباه عالم الفن المعاصر إليه".

في عام 2011، أُقيم لـ تشانغ معرض منفرد في "المتحف العربي للفن الحديث" في الدوحة، وبعدها بثلاث سنوات، بدأ يخطّط ويبحث لإقامة معرض آخر، يلعب به دور القيِّم الفني لأعمال زملائه من الفنانين الصينيين، ليكون "ماذا عن الفن؟ فن معاصر من الصين" تتويجاً لتلك الأعوام الثلاثة.

المشاركون في المعرض هم: هو سيانسيين، وهو جيجون، وجو بينغ، وجينوفا تشين، ولي لياو، وجينيفر وين ما، وجو تشونيا، ويانغ فودونغ، وليانغ شاوجي، ووانغ تيانويي، وجو جين، وليو جياودونغ، وليو ويي، وهوانغ يونغبينغ، وسون يوان وبينغ يو، وتتراوح أعمالهم بين لوحات، وأخرى إنشائية وتجهيزية ونحت بالطين.

يتيح لنا هذا التنوّع في أسماء الفنانين، من خلال تنوّع أجيالهم وتياراتهم الفنية والوسائل التعبيرية التي يتخذونها، أن نرى مشهداً موسّعاً من الحالة الفنية التي تعيشها الصين، خصوصاً أن هذا البلد على المستوى الثقافي والفني فرض منذ سنوات صورة جديدة أكثر حيوية من الستيريوتيبات التي فرضت عليه باعتباره بلداً مغلقاً بالعقائد الإيديولوجية والتعقيدات البيروقراطية. صورة يتيح معرض "ماذا عن الفن؟" أن نقاربها بشكل كبير.

لعل السؤال نفسه يبدو توجيهياً بعض الشيء، فالمتابع الذي يأتي إلى المعرض انطلاقاً من هذا السؤال، سيجد "باقة" من الإجابات، فالفن الصيني يحمل نكهة أخرى ومظهراً آخر، وبالتالي صورة أخرى لبلاده غير تلك التي توصلها للمواطن العربي البضاعة الصينية.

من جانب آخر، فالفن الصيني ليس فقط ذلك المرتبط بتراثه البصري الذي يحمل خصوصيات لا ينكرها عليه أحد. حكم مسبق ساهمت في تكريسه المخطوطات القديمة التي أتت بالعناصر الصينية ضمن قوافل الحرير والتوابل، كما كرّستها أكثر فأكثر الصورة التي نقلتها السينما عن الصين، سواء تلك السينما التي تعود بها إلى قرون سابقة فنراها بلداً يقف فقط عند طبقة تقاليده التي من الصعب أن تخترق "سورها العظيم" تنويعات وافدة من خارجها، أو تلك الصورة السينمائية الحديثة التي لعبت بها ظروف الحرب الباردة، فلا نعرف من الصينيين إلا من يرتدون اللباس العسكري.

ها نحن في المعرض إزاء فن يستطيع أن يحافظ على نكهة هذه الهوية الصينية، كما يستضيف بأريحية الحداثة البصرية، ولعلنا لن ننكر عليه أنه يُنتجها، رغم أنها ولدت وترعرعت في المركز الأوروبي.

على سيرة الحديث عن المركز والمركزية، فالصين عادة ما تحمل وزر صورة البلد المركزي حيث إن هوية المدن الكبرى طالما طغت على بقية الصور التي يمكن أن يلتقطها المشاهد من بعيد عنها. في معرض "ماذا عن الفن؟" ها نحن إزاء فسيفساء صينية متنوعة الألوان والنكهات، والأفكار أيضاً.

إنه معرض يذكّرنا بأننا إزاء بلد/ قارة، وأن الحياة فيه لا تقتصر على مدن مكتظة بالسكان والعمارات والمصانع والسيارات، بل هي أيضاً بلد له تضاريس وصراعات اجتماعية مفتوحة وأدوات زينة مختلفة وألعاب وغيرها من أشياء الحياة التي تحجبها المسافات والأحكام المسبقة.

بعد أن يجيبه المعرض عن السؤال الذي طرحه عليه "ماذا عن الفن؟"، يمكن للمشاهد العربي أن يطرح أسئلته الخاصة، "هل لا بد للفن الصيني أن يأتيه جاهزاً؟ أليس هذا المعرض سوى فتح شهية عن مشهد هو من المؤكد أوسع من هذا؟ فعادة ما يكون أي معرض انتقائياً مهما حرص على التنويع وتوسيع زاوية اختياراته. أما السؤال الأهم، فهو "ماذا عن الفن العربي؟ هناك في الصين.


دلالات
المساهمون