ويستعرض الصحافي استقبالاً حاراً أُعدَّ في مطار تل أبيب لمائتين من هؤلاء اليهود القادمين من فرنسا، والذين تتراوح أعمارهم ما بين الشهرين و92 عاماً، إضافة إلى مجموعات أخرى ستلحق بهم من ضمن 4 آلاف يهودي فرنسي تنتظرهم وزارة الاندماج الإسرائيلية والوكالة اليهودية، هذه السنة.
ولكنه سرعان ما يضيف: "وعلى الرغم من أن هذا الرقم يحظى بالأهمية، إلا أنه في تراجعٍ مقارنة مع سنة 2015، السنة التي استقبلت فيها إسرائيل 7900 يهودي فرنسي".
وتعزو السلطات الإسرائيلية أسباب انخفاض الواصلين الجدد إلى عوامل عديدة منها تصاعد أعداد اليهود الذين قرروا العودة إلى فرنسا، بعد العديد من خيبات الأمل القاسية في دولة إسرائيل.
ويكشف مراسل الصحيفة الفرنسية عن مفارقة إسرائيلية، وهي أنه بالإمكان معرفة الواصلين الجدد، بدقة كبيرة، لكن الإحصاءات المتعلقة بمن يقرر الرحيل عن إسرائيل تظل فضفاضة وغير دقيقة. ويعزو هذا الأمر إلى السرعة التي يأخذ فيها اليهودي قراره مغادرة إسرائيل، في معظم الأحيان. وحتى الدوائر الإسرائيلية المتخصصة في هذا الشأن لا تمنح نفس الأرقام والإحصاءات، فـ"معدلات العودة تتراوح ما بين 10 إلى 30 في المائة في نهاية السنة الأولى من الهجرة، حسب تقدير الوكالة اليهودية أو مؤسسات أخرى".
وتنقل الصحيفة الفرنسية شهادات قاسية عن هؤلاء اليهود الفرنسيين الذين قرروا العودة إلى فرنسا، فهذا السبعيني الأرمل جاك، التاجر السابق في ضاحية باريس (سان- دونيه)، يعترف بأن "هذا القرار من الصعب اتخاذه، ولكن ليس لديَّ خيار آخَر". ويفسره بانخفاض قيمة اليورو، الشيء الذي يجعل تقاعده الشهري غير كاف في بلد "كل شيء فيه أغلى من فرنسا".
يقول مراسل ليبراسيون، الذي غالباً ما تنتقده المواقع الصهيونية في فرنسا على مقالاته في الصحيفة الفرنسية، إن الواصلين الجدد من الشباب يتأقلمون بشكل أفضل، ولكن كثيرين لا ينجحون أبداً في التأقلم، بسبب "إدارةٍ إسرائيلية لا يعرفون كيف تعمل، ولغة (عبرية) يجدون صعوبة في تعلمها، ونظام اجتماعي أقل حماية من نظيره الفرنسي، وقواعد تعامل مختلفة عن تلك التي كانوا يعرفونها في بلدهم الأصل (فرنسا)".
ومن الأمثلة القاسية التي تستعرضها الصحيفة، قصة زوجين شابين مع أبنائهما، اللذين أنفقا كل أموالهما واضطرا لطلب تبرعات حتى يحصلا على بطاقة سفر (ذهاب فقط) إلى باريس.
والمثال الذي يكشف أكثر، أن إسرائيل لم تَعُد تغري الناس بالبقاء فيها، هو قصة طبيبيْ أسنان قدما إلى إسرائيل من مدينة تولوز الفرنسية، قررا مغادرة تل أبيب، في اتجاه كندا، "حيث كل الأبواب مفتوحة في وجهيهما". لأنهما لم يستطيعا ممارسة مهنتهما بسبب الصعوبات الإدارية.
أبواب إسرائيل الموصدة
وتنقل الصحيفة الفرنسية عن إحدى المُساعِدات الاجتماعيات الإسرائيليات تأكيدها وجود نسبة من الأثرياء (بالغي الثراء) بين هؤلاء اليهود الواصلين الجدد، ولكنها نسبة ضئيلة فقط، لأن "كثيراً من القادمين إلى إسرائيل يتملكهم الأمل في حياة أفضل. وهم يتصورون أن المشاكل التي كانت تشغل بالهم في فرنسا ستختفي أثناء سفرهم إلى إسرائيل. بل على العكس تزداد وتتفاقم بسبب الصعوبات والقلق". وتكشف عن حالات انهيار عصبي لدى بعضهم، بسبب عدم حصولهم على وظيفة شغل وبسبب نفاد مدخراتهم. إضافة إلى حالات تفكك العائلات بين من يريد العودة إلى فرنسا ومن يصر على البقاء في إسرائيل مع الأبناء.
وأخيراً، يتحدث مراسل الصحيفة عن ظاهرة مراهقين ممزقين، بين آباء، في الغالب، عادوا إلى فرنسا، وأمهات في إسرائيل، "لا يشعرون أنهم فرنسيون، بشكل حقيقي، كما لا يشعرون، أيضاً، أنهم إسرائيليون"، وغالباً ما يتسببون في مشاكل مع العدالة، بسبب ارتكابهم سرقات باستخدام العنف وأيضاً المتاجرة بالمخدرات.
يعرف هؤلاء أن صورتهم في المجتمع الإسرائيلي ليست بالحسنة، وبالتالي "فالأمل الوحيد الذي يمكنهم أن يعولوا عليه، هنا، هو الخدمة العسكرية ابتداء من سن الثامنة عشرة، أو الاستعداد لحياة البطالة في حال عودتهم إلى فرنسا". باختصار بليغ: "كل الأبواب مُوصَدَة!"