"من يحرّك كل شيء حولنا؟" هذا هو السؤال المحوري والضمني الذي تحاول أن تمرّره مسرحية "لقاء"، اعتماداً على أدوات "مسرح العرائس"؛ فنٌّ يعتمد هو نفسه على فكرة تحريك الخيوط.
تحكي الأربعون دقيقة من العرض، قرابة العشرين عاماً من حياة عازف أكورديون. تنفتح المسرحية على مراسلاته العديدة للمهرجانات العالمية عسى أن تلتفت إلى موهبته التي لم تجد حظها في موطنه.
حين يحالفه الحظ، تأخذ المسرحية نسقاً متسارعاً يتلاءم مع تواتر نجاحاته وتحوّله إلى فنان عالمي، لكنه يدفع مقابل هذا النجاح ثمناً بخسارة العلاقات الأسرية والأشياء البسيطة التي كان يستمد منها سعادته.
لا ينكر المخرج وكاتب النصّ لسعد المحواشي، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن الأحداث تتقاطع مع وقائع عاشها، لكنه يشير إلى أنه اكتشف ذلك بعد عملية الكتابة. "لقاء" هي تجربة الكتابة الأولى لـ المحواشي، الذي يعرّف نفسه قائلاً "أنا عرائسي"، ويضيف "كانت لي من قبل فقط تجارب في إعادة الكتابة وصياغة نصوص في قالب مسرح العرائس".
على عكس العادة، يظهر محرّكو الدمى للمتفرّج طوال العرض، غير أنه حضور خفي، فالمحرّك لا يتدخّل سوى في عملية التحريك، من دون أن يصدر منه صوت، كما تظل ملامحه جامدة طوال فترة ظهوره.
ظهور المحرّكين على الركح نقطة لا تخلو من دلالة، يقول المحواشي: "إنها تشير إلى أننا كفنانين ليس لدينا ما نخفيه عن المتلقي، ولكنها بادرة منا كي نجعله يلتفت إلى أن وراء الحبكة البسيطة من يحرّك الخيوط".
يفتح هذا الحديث على قضايا اشتغل عليها المحواشي في عمله هذا، إذ يقول "حاولنا أن نسلط الضوء على وضع الفنان في أوطاننا، كما أننا من جهة أخرى ندعو لقراءة نقدية لقضية الهجرة".
بعدان يرتبطان بعلاقة عضوية، إذ يكشف المخرج التونسي "هما علاقةُ سببٍ بنتيجةٍ ضمن لعبة دولية تحاول أن تُثبّت العلاقات بين الأمم على شكلها الحالي، حيث تظل مستويات المعيشة متدهورة في العالم الثالث، كي يسهل فرز الكفاءات والمواهب ثم الاستفادة منها في دورة الحياة الغربية".
لحصر تركيز المُشاهد على الأبعاد الفكرية للمسرحية، اختار لسعد المحواشي (الصورة) أن يتقشّف على مستوى السينوغرافيا التي يصفها بـ "الفقيرة والغنية في آن؛ فقيرة على مستوى العين وغنية على مستوى المخيال، إذ لا تجد على الخشبة سوى العناصر القابلة للتوظيف في الحبكة، ولا وجود للزينة فوق الركح، أما العناصر
القليلة الحاضرة، فيتم الاشتغال عليها بشكل مضاعف كي تؤدي معانيَ كثيرة ووظائف متنوّعة".
"لقاء" التي أنتجها "المركز الوطني لفن العرائس" في تونس، قام بتحريك عرائسها (حجم 35 سم) محمد علي بن حمودة وعامر المثلوثي ولسعد المحواشي، يُزمع أن يحوّلها مخرجها إلى فيلم.
في المشهد الذي يتلقى فيه البطل أوّل دعوة من مهرجان عالمي، يُطلِق سراح عصفور كان جليسه المفضّل. لقد أعطاه حريّته ليأخذ هو حريّته التي تعيقها مسؤوليته تجاهه، "الحرية والمسؤولية" تلك الجدلية الأزلية.