انهمرت دموع أهالي مفقودي الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، فور سماع كلمات أغنية "لا ضليت ولا فليت" التي أطلقتها لجنة الأهالي، اليوم الأربعاء، بقاعة مبنى نقابة المحامين، في إطار إحياء فعاليات اليوم العالمي للمفقودين.
وامتزجت تلك الدموع بعَبَرات الأهالي الذين شاركوا في "فيديو كليب" الأغنية التي لحّنها الموسيقار أحمد قعبور، وكتبت كلماتها الشاعرة سوسن مرتضى، وغنتها شانتال بيطار.
وقالت بيطار، في كلمتها، إنّها لم تكن من الجيل الذي عايش الحرب الأهلية في لبنان "لكن المشاركة في هذا العمل الفني سمحت لي وللكثير من أبناء جيلي ومن هم أصغر مني، بالتعرف على معاناة أهالي المفقودين خلال الحرب الأهلية، وهو أمر لم يكن ليحصل لولا التواصل المباشر مع الأهالي الذين تستمر معاناتهم للعقد الرابع على التوالي".
وضمّنت المخرجة كارول منصور الأغنية تسجيلات صوتية لأهالي المخطوفين، تحدثوا فيها عن مرارة انتظار معرفة مصير ذويهم، واختارت أن يكون المشهد الأول من الفيديو لأم مخطوف تقوم بتشغيل جهاز "فونوغراف" خاص بابنها للمرة الأولى منذ 35 عاماً. لتتوالى بعدها صور الأمهات الدامعات خلال مشاركتهن في الفعاليات المطالبة بكشف مصائر المختفين.
واختارت مؤلفة الأغنية مناجاة الأمهات لأبنائهن من خلال الذكريات والمُتعلقات الشخصية التي تركها المفقودون، فتحولت الملابس والضحكات والصور إلى أدوات لمخاطبة المفقودين، وسؤالهم عن أحوالهم. وفي المقطع الأخير تقول الأغنية: "لازم نتذكر لننسى، وبدنا نعرف وينن" تأكيداً على استمرار المطالبة بكشف مصيرهم.
وذكّر ممثل نقيب المحامين، المحامي وليد أبو غية، في كلمته، بأن تعدد الجهات التي خطفت المدنيين اللبنانيين خلال الحرب "بين إسرائيليين وسوريين ومليشيات لبنانية" يُفترض أن يُقابل بتعزيز الجهود الحكومية لكشف مصير كل المدنيين الذي فقدوا خلال الحرب.
وأكد مدير "المفكرة القانونية"، نزار صاغية، وهو محامي أهالي المفقودين، أن "مسار الحل لقضية المخطوفين يبدأ من إقرار مسودة مشرع القانون الذي ينص على إنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان التي تتولى كشف مصير المفقودين وتتمتع بالصلاحيات الكافية لذلك".
وجدّد صاغية التأكيد على أن "المطالبة بكشف المصير حق مُصان، ولا يمكن التذرع بأنه يُقلق السلم الأهلي، وخصوصا أن مطالبات الأهالي تقتصر على كشف مصير أبنائهم فقط، ولا تصل إلى المطالبة بمحاسبة المسؤولين".
وفي كلمتها، أبدت رئيسة لجنة أهالي المفقودين، وداد حلواني، غيرتها من أهالي العسكريين الذين خطفهم تنظيم "داعش"، والذين تم كشف مصيرهم بعد عامين. وقالت حلواني "بئس بلد يجعل أبناءه يحلمون بقبر لرفات مفقود"، واستغربت "برودة أعصاب المسؤولين الأمنيين الذين أعلنوا أنهم علموا أن العسكريين ماتوا منذ عامين، لكنهم تركوا أهاليهم رهينة الأمل الكاذب دون أن يرف لهم جفن".
وكشفت حلواني عن حالة عدم تجاوب من قبل النواب ورؤساء الأحزاب للتوقيع على العريضة الوطنية للمطالبة بكشف مصير المفقودين، وخاطبتهم قائلة "إننا تعاهدنا كطائفة عابرة للطوائف من أهالي المفقودين في الحرب الأهلية، ألا نمنح أصواتنا في الانتخابات النيابية المُقبلة إلى المُرشحين الذين لا تتضمن برامجهم الانتخابية ملف المفقودين".
يذكر أن أهالي المفقودين أجلوا إطلاق الأغنية لمدة أسبوع بعد أن تم كشف مصير العسكريين المخطوفين لدى "داعش".
وسبق لعدد من الفنانين اللبنانيين أن قدموا مجموعة أفلام سينمائية ووثائقية ومسرحيات عن ملف مفقودي الحرب الأهلية، لكن تُشكل الأغنية الجديدة سابقة في الأعمال الفنية التي تناولت الملف.
ولم تتخذ السلطات اللبنانية أي ترتيبات تسهّل على ذوي المفقودين الإجراءات القانونية والروتينية المطلوبة، رغم أن الملف يشمل أكثر من 17 ألف حالة موثّقة، بين خطف وقتل وسجن خلال الحرب الأهلية على أيدي المليشيات وقوى الأمر الواقع التي كانت تسيطر على القرار والأمن في مختلف المناطق اللبنانية.
ولم يؤدِ اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان، إلى كشف مصير المفقودين، وانتظر الأهالي لعقد كامل قبل أن تسلم لجنة تحقيق وزارية ملف التحقيق في قضية المفقودين إلى الحكومة عام 2000، ولم يتم تسليم نتائج التحقيق إلى الأهالي حتى عام 2015، بحجة استكمال البحث لكشف مصير المفقودين بمساعدة الصليب الأحمر.