لطالما قاربت الفنانة اللبنانية فاطمة الحاج (1953) التراث الثقافي العربي في أعمالها التشكيلية؛ من ذلك عملها "النهضة العلمية عند العرب" الذي أنجزته عام 2014، واقتربت فيه من أدوات وألوان المنمنمات العثمانية ولغتها البصرية. كما قدّمت أعمالاً تُعيد فيها التفكير في المواضيع المكرّسة في تاريخ الفن؛ مثل "القارئة"، و"الأم والابن".
رسمت الحاج، أيضاً، المناظر الطبيعية المستوحاة من مدن تنقلت بينها في فرنسا والمغرب واليمن. وفي كل هذه التجارب، ظلّت تنتمي إلى عالم لوني مدهش، مليء بالحرارة والبهجة، وغنيّ بالتنوّع في الألوان كوسيلة تحافظ من خلالها على ذاكرة الأمكنة والضوء.
اليوم، تقدّم الحاج تجربة مختلفة في "منصة الفن المعاصر: كاب"، في الكويت، تحت عنوان "كُر وأنت حُر: عن عنترة بالأسود على الأبيض"؛ إذ تغادر عالمها اللوني الكبير الذي عُرفت به والمشاهد الطبيعية التي أخلصت لها لقرابة أربعة عقود، لتستعيد تجربة الشاعر عنترة بن شداد، الشخصية البطولية في الأدب والشعر العربيّين.
لا شك أن العلاقة بين الشعر والرسم في الفن العربي ليست جديدة، لكن معظم التجارب كانت بين فنان وشاعر تجمعهما الصداقة أو العصر. لكن الحاج تخالف هذا بأن ترحل إلى ماضي الشعر البعيد، فتقدّم لوحات تتناول بصرياً قصائد عنترة في الحب والفروسية والحرب والحرية.
تتجه أعمال الحاج الجديدة إلى مقاربة الفنون الصينية حيث الصورة وكلمات بمحاذاتها، أحياناً تضيف إلى اللونين الأسود والأبيض ألوان التراب والصحراء تحيط بفارس على حصانه، بينما الكلمات تملأ أفق العمل الفنّي، كأن ترسم بالكلمات "يا عبل مثل هواك أو أضعافه/ عندي إذا وقع الإياس رجاء"، أو "إن كنت في عدد العبيد فهمّتي/ فوق الثريا والسماك الأعزل".
ترسم الحاج بلا حدود بين الشخوص والخيول والكلمات في أعمال بصرية مليئة بأبيات عنترة وجمال "جاهلي" ترصده فنّانة غرقت في قراءته وتأمّله واستحوذت عليها كلمات شاعر عبلة وحبيبها.
في تقديمه للتجربة، يقول قيّم المعرض الفنّان اللبناني عبد القادري: "الحاج التي رسمت المرأة كليمةً للّيل، أُمّاً وزوجة ترسم أخيراً الرجل، تحتفي برجولته لا بذكورته، بنضاله وشاعريته، ترسم عنتره الذي باسمه تُكنّى المراجل والقبضايات، تحتفل بسيرته الحافلة بالنضال، ليكون أوّل من حارب لنبذ التمييز العنصري في تاريخنا العربي لينتصر أخيراً على قبليّة مجتمعه وحكم والده/ سيّده عليه".
ويضيف: "قبل ثلاثة أعوام زرتُها في محترفها، كانت فاطمة قد تقاعدت عن مهنة التدريس الجامعي وتفرّغت تماماً لفنّها، لمحتُ وقتَها أعمالاً تختلف في تراكيبها عن النسق المعهود الذي طرحت به نفسها، رأيتُ مجموعة اسكتشات تحضيرية لرجل يمتطي حصاناً يعلو برأسه نحوَ الأفق، سألتُها عن هذه الرسوم فأجابت: إنّه عنترة على حصانه الأبجر".