"كير" و"ماس" منظمتان غير إرهابيتين

21 نوفمبر 2014

في مكتب "كير" في كاليفورنيا (14أكتوبر/2010/Getty)

+ الخط -

قبل أيام، أصدر مجلس الوزراء الإماراتي قائمة منظمات تعدها الإمارات العربية المتحدة اليوم "إرهابية". وكان يمكن أن يمر الأمر مرور الكرام لو أن الإمارات اكتفت بتجريم المنظمات التي تمارس العنف، كتنظيمي "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، و"القاعدة"، أو "عصائب أهل الحق" العراقية، و"حركة الحوثيين" اليمنية.. إلخ. أيضا، فإن أحداً لم يكن يتوقع أن تصدر الإمارات القائمة من دون أن يكون "الإخوان المسلمون" على رأسها، فالإمارات، ومعها مصر والمملكة العربية السعودية، تعتبر "الإخوان"، اليوم، "جماعة إرهابية"، لا لأنهم تورطوا فيه، وإنما لأنهم كانوا جزءاً من مشهد الثورات العربية التي أعلنت أنظمة هذه الدول، وغيرها معها، عداءها لها، ولكل من شارك فيها. ولكن، أن تتضمن هذه القائمة منظمات خيرية ودعوية ومدنية وبحثية وإغاثية إسلامية في الغرب، لا علاقة لها بالإمارات، فهذا ما لم يتوقعه أحد أبداً (هذا لا يعني قبولا بتضمين الإخوان وغيرهم منظمات كثيرة وردت في القائمة).

ضمن "قائمة الإرهاب" الإماراتية ثمة مؤسستان إسلاميتان أميركيتان، هما: "مجلس العلاقات الأميركية-الإسلامية" (كير)، و"الجمعية الإسلامية-الأميركية" (ماس). وهما من أشهر المؤسسات الإسلامية في الولايات المتحدة، وأكبرها وأكثرها فاعلية وتأثيراً، بل إن شهرة "كير" تتجاوز الولايات المتحدة، لتصل إلى العالمين العربي والإسلامي، وفي حين أنها متخصصة في الدفاع عن الحريات المدنية للمسلمين في الولايات المتحدة، فإن "ماس" تتصدر مشهد العمل التربوي في الجالية المسلمة، بمؤسساتها ومدارسها ومساجدها المنتشرة في طول الولايات المتحدة وعرضها. أبعد من ذلك، فإن "كير" معترف بها من أنظمة عربية كثيرة نموذجاً فاعلاً ومحترماً للإسلام "المعتدل"، وليس سراً أنها تلقت تبرعات مالية وعينية كبيرة من بعض تلك الأنظمة، وفي مقدمتها السعودية، بل والإمارات نفسها.

وفي السياق نفسه، "كير" و"ماس" معروفتان في أميركا بدفاعهما عن الإسلام والتصدي للإساءات المتكررة التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون، خصوصا من اليمين الأميركي، وتيارات الإسلاموفوبيا، المتحالفة مع منظمات صهيونية. أيضاً، لا تكف هاتان المؤسستان، مع مؤسسات أخرى، أبداً، عن التصدي لحالات التطرف داخل الجالية الأميركية المسلمة، وهو ما جعل منهما شريكتين لوكالات حكومية كثيرة، بما في ذلك البيت الأبيض نفسه (في حالة "كير")، في فترة مضت، في محاولة لحماية المسلمين الأميركيين من التمييز النمطي ضدهم، وفي الوقت نفسه، حماية الشباب الأميركي المسلم اليافع من تبني العنف منهجاً. بل إن "كير"، ويا للمفارقة هنا، كانت ممن تصدروا حملة الدفاع عن دولة الإمارات عندما سعت لشراء حق إدارة ستة موانئ بحرية أميركية رئيسية عام 2006، الأمر الذي أثار عاصفة سياسية في واشنطن. فما الذي تغيّر، إذن، بين ليلة وضحاها، كما سأل رئيس منظمة "كير"، نهاد عوض، في تغريدته على "تويتر"، تضمنت صورة عن رسالة قديمة من السفير الإماراتي في واشنطن تزكّي المنظمة.

ولا شك أن الأمر، عموما، مرتبط بحالة غضب أصابت بعض نظم المنطقة، ومنها الإمارات، من الثورات العربية، ولأن "الإخوان" تصدروا ذلك المشهد في ذروة صعوده، فإنه تمَّ تجسيد العدو فيهم. وكان لافتاً أن تنشر صحيفة "نيويورك تايمز" تحقيقاً صحافياً في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، عن وجود "تناغم في المصالح غير مسبوق" يضم الإمارات، في الولايات المتحدة، يستهدف دولة قطر تحديداً، بسبب مزاعم من دعمها الإخوان المسلمين وحركة حماس. تلى ذلك تحقيق آخر للصحافي الأميركي، غلين غرينوولد، على موقع "إنترسبت" أواخر سبتمبر/أيلول، أيضا، كشف فيه أن دولة الإمارات تعاقدت مع جماعة ضغط أميركية، توظف مسؤولين أميركيين، كبارا سابقين، في وزارة المالية الأميركية، ومن الحزبين، بهدف شيطنة قطر في الإعلام والكونجرس، وشراء ذمم صحافيين أميركيين لكتابة مقالات تقرّظ الإمارات وسياساتها. والمثير أن بعض أعمدة ذلك اللوبي،Camstoll Group، كانوا، قبل عملهم في وزارة المالية سابقاً، يعملون مع أحد أشرس المعادين للإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة، ستيف إميرسون، وهو صهيوني يهودي أميركي، وتثار حوله شبهات، منها أنه عميل لجهاز الموساد الإسرائيلي.

وهكذا، يغدو واضحاً، الآن، لماذا تضمنت "قائمة الإرهاب" الإماراتية مؤسسات أميركية معروفة باعتدالها، مثل "كير" و"ماس". فإميرسون هذا، وغيره من أقطاب الإسلاموفوبيا واليمين الصهيوني في أميركا، دائماً ما وضعوا كل المؤسسات الإسلامية الأميركية، ومنها هاتان المؤسستان، على رأس قائمتهم للمستهدفين بالتشويه والحرب، وهم حققوا في ذلك قدرا لا بأس به من النجاح، سياسياً. فهم يزعمون أن هذه المؤسسات، ورغم عدم إدانتها قضائياً أبداً، مرتبطة بكل من حركة حماس والإخوان المسلمين، ولأن الإمارات أعلنتها حرباً على كل "الإخوان"، فإنه كان لابد لها أن تُضَمِّنَ تلك المنظمات في قائمة أعدائها، وهذا ما كان. وينسحب الأمر، قطعاً، على مؤسسات أخرى في أوروبا، تضمنتها "قائمة الإرهاب" الإماراتية.