"كونتاك" و"مسافة أمان"... تبرئة النظام السوري من الكيميائي
في السنوات الأخيرة، عملت الدراما السورية على اختلاق حكاياتها الخاصة عن الحرب السورية لتؤسس سردية موازية للواقع السوري، تبرئ فيها النظام من كل ما نسب إليه من جرائم في هذه الحرب. وعلى الرغم من رداءة هذه الأعمال فنياً، إلا أن ذلك لم يحد من خطورتها، كونها تبني حكاية جاهزة تعبث بالذاكرة السورية، وقادرة على تخريبها في المدى البعيد، وخصوصاً في ظل تمنع الفنانين المعارضين في سورية عن إنتاج مسلسلات مضادة، تعكس الجانب الآخر من الحقيقة.
وبعد سنوات من التخبط والعمل غير المنظم، يبدو أن المهام قد وزعت بشكل أكثر تنظيماً هذه السنة على شركات الإنتاج الحكومية والخاصة. ففي الوقت الذي تجد فيه منتجات المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون اختفت منها الصبغة العسكرية، وباتت أشبه بالمسلسلات السياحية التي تشجع السوريين في الخارج على العودة، فإن شركات الإنتاج الخاصة التابعة لبروباغندا النظام، تولت مهام سرد حكايات "الحرب السورية" وتبرئة النظام.
ويبدو وكأنه قد أوكلت مهمة تبرئة النظام من جريمة الكيميائي لشركة "إيمار الشام" التي أنتجت هذه السنة مسلسلين اثنين، هما: "كونتاك" و"مسافة أمان". فعلى الرغم من أن مسلسل "مسافة أمان" ينتمي لنمط الدراما "الواقعية الاجتماعية"، ومسلسل "كونتاك" كوميدي ذو سياق منفصل – متصل، إلا أن كلا المسلسلين يتطرقان لقضية الكيميائي، ويتفقان على سردية واحدة، وهي أن الضربة الكيميائية جريمة غير مكتملة، شارك الشعب بتنفيذها بضغط من "الإرهابيين".
فتعرض الحلقات الأولى من مسلسل "مسافة أمان" حكاية متخيلة عن مواطنة سورية قامت بتمرير الغازات السامة إلى مشفى ما، لتحمي زوجها من الموت في أجواء درامية مبتذلة، تضع بطلة العمل أمام خيارين: العائلة أو الوطن. وفي المقابل، فإن مسلسل "كونتاك" يسرد حكاية الكيميائي في الحلقة الثالثة والعشرين منه، بصيغة تهكمية، لينكر فيها الضربات الكيميائية الثلاث التي قام الأسد بتنفيذها خلال فترة الحرب، ويصورها على أنها تكهنات ناجمة عن غباء لجان أسلحة الدمار الشامل الدولية، والتي لا تميز بين غاز الكلور ومربى المشمش، وناجمة أيضاً عن مسرحيات أنتجها فريق "الخوذ البيضاء المسلح" ليحصل على الأوسكار.
اقــرأ أيضاً
ولكن الشريط يعاد إلى منتصف الحكاية، لتقف الكاميرا على شاشة التلفزيون الذي تتابعه أمل عرفة. إذْ تشاهد عرفة على قناة أجنبية أخبارا "كاذبة"، تتحدث عن استخدام أسلحة الدمار الشامل في سورية. وتقودنا هذه الحكاية نحو السلطات التي تستقبل اللجان الدولية بود، في مشهد تكتشف به اللجان أن ما ظنته إعداداً لأسلحة الدمار الشامل هو ليس سوى إعداد لطعام منزلي تطهوه ربات المنازل في دمشق التي تنعم بالأمان في عهد الأسد.
ومن دون إيجاد مبرر درامي كاف، يسافر جميع أهالي البناء في المشهد التالي إلى اللاذقية بغرض السياحة في المحافظات السورية الآمنة، ولكنهم يضلون الطريق، فيقعون بأيدي جماعة "الخوذ البيضاء الإرهابية"، التي تجبرهم على التمثيل بمسرحية الكيميائي! ولا تقتصر قباحة ما قدّم على الرواية المفبركة التي اختلقها صناع العمل عن الكيميائي، بل إن المشكلة تمتد لتجعل من جهات أدانت الأسد شريكة بهذه الجريمة الفنية، ولا سيما "الأمم المتحدة" التي يتم استخدام إحدى سياراتها في لقطة عابرة؛ بالإضافة إلى أنه يتم استخدام شعار "الخوذ البيضاء" ذاته في العمل من دون أي مواربة.
وبعد سنوات من التخبط والعمل غير المنظم، يبدو أن المهام قد وزعت بشكل أكثر تنظيماً هذه السنة على شركات الإنتاج الحكومية والخاصة. ففي الوقت الذي تجد فيه منتجات المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون اختفت منها الصبغة العسكرية، وباتت أشبه بالمسلسلات السياحية التي تشجع السوريين في الخارج على العودة، فإن شركات الإنتاج الخاصة التابعة لبروباغندا النظام، تولت مهام سرد حكايات "الحرب السورية" وتبرئة النظام.
ويبدو وكأنه قد أوكلت مهمة تبرئة النظام من جريمة الكيميائي لشركة "إيمار الشام" التي أنتجت هذه السنة مسلسلين اثنين، هما: "كونتاك" و"مسافة أمان". فعلى الرغم من أن مسلسل "مسافة أمان" ينتمي لنمط الدراما "الواقعية الاجتماعية"، ومسلسل "كونتاك" كوميدي ذو سياق منفصل – متصل، إلا أن كلا المسلسلين يتطرقان لقضية الكيميائي، ويتفقان على سردية واحدة، وهي أن الضربة الكيميائية جريمة غير مكتملة، شارك الشعب بتنفيذها بضغط من "الإرهابيين".
فتعرض الحلقات الأولى من مسلسل "مسافة أمان" حكاية متخيلة عن مواطنة سورية قامت بتمرير الغازات السامة إلى مشفى ما، لتحمي زوجها من الموت في أجواء درامية مبتذلة، تضع بطلة العمل أمام خيارين: العائلة أو الوطن. وفي المقابل، فإن مسلسل "كونتاك" يسرد حكاية الكيميائي في الحلقة الثالثة والعشرين منه، بصيغة تهكمية، لينكر فيها الضربات الكيميائية الثلاث التي قام الأسد بتنفيذها خلال فترة الحرب، ويصورها على أنها تكهنات ناجمة عن غباء لجان أسلحة الدمار الشامل الدولية، والتي لا تميز بين غاز الكلور ومربى المشمش، وناجمة أيضاً عن مسرحيات أنتجها فريق "الخوذ البيضاء المسلح" ليحصل على الأوسكار.
وفي كلا المسلسلين، يبدو أن قضية الكيميائي قد أقحمت على الحبكة الرئيسية. فعلى الرغم من أن "مسافة أمان" يستهل أحداثه منها، إلا أنه ينهي كل ما يتعلق بهذه القضية بعد حلقتين فقط. وأما مسلسل "كونتاك" فإن القضية تبدو مقحمة عليه بشكل قسري، فلا تتشابك خيوط مسرحية الكيميائي مع الخطوط الدرامية لأي مشهد آخر، ولا حتى مع الحلقة ذاتها. إذ إن الحلقة تبدأ بحكاية بسيطة لتجمع أهالي البناء الذي تدور به أحداث المسلسل، وهي تذمرهم من وجود راقصة في المبنى ذاته. وتتمكن الراقصة من فرض نفسها على الجميع من خلال تقديمها المساعدة لكل أهالي البناء، وتنتهي الحلقة دون أن تذكر كلمة الكيميائي حتى.
ولكن الشريط يعاد إلى منتصف الحكاية، لتقف الكاميرا على شاشة التلفزيون الذي تتابعه أمل عرفة. إذْ تشاهد عرفة على قناة أجنبية أخبارا "كاذبة"، تتحدث عن استخدام أسلحة الدمار الشامل في سورية. وتقودنا هذه الحكاية نحو السلطات التي تستقبل اللجان الدولية بود، في مشهد تكتشف به اللجان أن ما ظنته إعداداً لأسلحة الدمار الشامل هو ليس سوى إعداد لطعام منزلي تطهوه ربات المنازل في دمشق التي تنعم بالأمان في عهد الأسد.
Facebook Post |
دلالات
المساهمون
المزيد في منوعات